تهافت المدرسة وخفوت نجمها
تهافت المدرسة وخفوت نجمها
إلى جانب كل العثرات التي واجهت المدرسة في نشأتها ومسيرتها وبنيتها الداخلية، يرى كثير من الباحثين أن العطب في جدران المدرسة أكثر مما قد يمكن ترميمه، ومن أكثر المؤاخذات التي وجهوها إلى فلاسفة فرانكفورت هو استغراقهم في ما أطلقوا عليه “الممارسة اليومية” بمعنى تأثرهم بالأحداث الآنية العابرة وأن بحثهم يفتقر إلى الطريقة المنهجية من منظور تاريخي ومقارن، ويظهر ذلك في انشغالهم طوال الثلاثينيات والأربعينيات بالاشتراكية الوطنية والجدل حول معاداة السامية وطوال الخمسينيات بصناعة الثقافة، كما أنها لم تأتِ بجديد معتبر بديلًا للتطورات التي فرضها نمو الرأسمالية، وذلك لأنها لم تقدم تعديلات تُذكَر في نظرية ماركس ورؤيتها للتاريخ، إلا على استحياء وبصورة مقيدة مع قدوم هابرماس في ستينيات القرن العشرين.
اللافت للنظر حقًّا هو إهمالهم التحليل الاقتصادي إلى حد كبير! فلا نكاد نجد كوادر اقتصادية انتمت إلى المدرسة إلا نادرًا، أمثال “فريدريك بولوك” الذي تناولت أعماله التخطيط السوفييتي، فيما عدا ذلك فقد كانت علاقة الاقتصاديين أمثال “هنريش جروسمان” و”فرانز نيومان” قصيرة الأمد لعدم تعاطفهم مع النظرية النقدية ولا المنهج الجدلي الهيغلي، وفي المجمل يرى الباحثون أن هذا الإهمال للبحث التاريخي والتحليل الاقتصادي أدى إلى انفصال مدرسة فرانكفورت وامتداد منهجها النقدي عن الميراث النقدي الذي قامت عليه.
على الصعيد الأيديولوجي فقد تدهور مفهوم مدرسة فرانكفورت عن الطبقة العاملة كقوة سياسية فاعلة، فقد صرح هابرماس في كتابه “النظرية والممارسة” قائلًا: “البروليتاريا بوصفها بروليتاريا قد تلاشت”، وهذا التصور قائم على نموذج طوباوي خيالي عن الثورة بعيدًا عن المفهوم الماركسي الكلاسيكي لها، كما أن المدرسة، حسب هابرماس، فشلت في تقييم التطورات التي طرأت على الطبقة العاملة في عصر الإمبريالية الغربية، ونتيجة لذلك يرى كثير من النقاد أن الضعف الذي أصاب مدرسة فرانكفورت له بالغ الأثر في تراجع وضمور مقولات تأسيسية في الفكر الماركسي مثل المادية التاريخية والصراع الطبقي، مفسحًا المجال لنمو المقولات الليبرالية بدلًا منها.
الفكرة من كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
تحاول المؤلفة في هذا الكتاب تتبُّع أصول واتجاهات ما عُرِفَ بـ”مدرسة فرانكفورت” التي شكلت علامة فارقة في نقد الحداثة وتفكيك أبنيتها الفكرية، والتي امتد فكرها وأثرها لعقود طويلة في القرن العشرين، وأيضًا الخلل الذي اعترى البنية الفكرية للمدرسة وأدى إلى خفوت نجمها.
مؤلف كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
الدكتورة ثريا بن مسميَّة، أستاذ فلسفة الجماليات بالعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة التونسية، وعضو الجمعية التونسية للدراسات الصوفية، شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية داخل تونس وخارجها، لها العديد من الأبحاث والدراسات مثل “أشكال التجريد في فن الرسم الحديث”، و”جدل المفارقة”.