الجذور الفلسفية لمدرسة فرانكفورت
الجذور الفلسفية لمدرسة فرانكفورت
ظهرت مدرسة فرانكفورت كرد فعل على التغيرات التي حدثت في الفكر والسياسة والاجتماع الغربي مطلع القرن العشرين، متأبِّطَةً الروح النقدية لكل مظاهر الاجتماع الغربي والمفاهيم والقيم التي تأسست عليها هذه الحضارة كالعقلانية والحرية والتقدم العلمي والتقني، والدارس لتاريخ المدرسة يستطيع أن يتلمَّس الأسس الفكرية التي استمد منها رواد المدرسة رؤاهم وأفكارهم.
يعد كانط المرجعية الثابتة للفلسفة الحديثة، وله حضور بارز في فكر الفلاسفة المعاصرين وبخاصةٍ فلاسفة فرانكفورت، حيث يذهب بعض الباحثين إلى أن رواد المدرسة “هوركهايمر” و”أدورنو” قد استمدا النظرية النقدية من كتابات كانط في النقد.
يؤكد الكثير من الباحثين على حضور فكر الفيلسوف “هيغل” في الأسس الفكرية لمدرسة فرانكفورت، وقد صرح “هوركهايمر” في الدرس الافتتاحي الذي ألقاه بمناسبة تعيينه مديرًا للمركز أن الفلسفة الاجتماعية التي هو بصدد الإعلان عنها تستمد وجودها مباشرةً من تجربة الوعي الفينومونولوجي الهيغلي، وقد طور فلاسفة المدرسة في منطق “هيغل” الجدلي، فقد جعلوه أكثر ديناميكية، فربطوا الجدل بالواقع الاجتماعي ما مكَّنهم من رفض النزعة الوضعية التي تشعر الإنسان بالاغتراب.
بالطبع يبدو الأثر الماركسي واضحًا على مدار أجيال المدرسة، فقد انبثقت فكرة تأسيس المعهد بالأساس أسبوع العمل الماركسي الذي شاركت فيه شخصيات ماركسية مرموقة، وأخذت المدرسة بعد ذلك الخط الماركسي في التنظيرات المعتمدة على المادية التاريخية والثورية ونقد المجتمع الرأسمالي، مع الإشارة أن المدرسة لم تتماهَ بالكامل مع الماركسية دون الاشتباك معها، وبخاصةٍ في عهد هوركهايمر، الذي كان يرى أن المراهنة على الطبقة العاملة كقوة دافعة ليس كافيًا لعملية التحرر، فبالإمكان القول إن المدرسة قد استوعبت الميراث الفكري الماركسي مع طرح قراءات جديدة للواقع المعيش، بل يرى البعض أن المدرسة ابتعدت في مراحلها الأخيرة عن الماركسية وأعلنت فشلها، حينما أعلن هابرماس أن نظرية ما بعد الحداثة مُرضية نتيجة الاختلاف بين ما هو مادي وما هو معنوي.
الفكرة من كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
تحاول المؤلفة في هذا الكتاب تتبُّع أصول واتجاهات ما عُرِفَ بـ”مدرسة فرانكفورت” التي شكلت علامة فارقة في نقد الحداثة وتفكيك أبنيتها الفكرية، والتي امتد فكرها وأثرها لعقود طويلة في القرن العشرين، وأيضًا الخلل الذي اعترى البنية الفكرية للمدرسة وأدى إلى خفوت نجمها.
مؤلف كتاب مدرسة فرانكفورت.. دراسة في نشأتها وتياراتها النقدية واضمحلالها
الدكتورة ثريا بن مسميَّة، أستاذ فلسفة الجماليات بالعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة التونسية، وعضو الجمعية التونسية للدراسات الصوفية، شاركت في العديد من المؤتمرات العلمية داخل تونس وخارجها، لها العديد من الأبحاث والدراسات مثل “أشكال التجريد في فن الرسم الحديث”، و”جدل المفارقة”.