العبادة تشملك
العبادة تشملك
بما أن العبادة بمفهومها الواسع المنضبط تشمل جميع جوانب الحياة المتعلقة بالفرد والأسرة والمجتمع والأمة، سواء في خاصة نفسه أو مع مختلف العلاقات التي تربطه بالآخر سواء كان الآخر ذلك إنسانًا مثله أو كائنًا آخر من خلق الله، أو في علاقته بينه وبين نفسه أو ربه سبحانه، جاء تقسيم وتصنيف العبادات إلى أقسام ليسهل معها تصوُّر هذا المعنى الشمولي واستحضاره.
فالعبادة من جهة تعلُّقها بالخلق تنقسم إلى عبادة كونية وأخرى شرعية، والعبادة الكونية هي التي تخضع لها سائر المخلوقات تسييرًا وتسخيرًا وقهرًا، فالكون كله عابد لله مسبِّح له بمقتضى التسخير، والإنسان وإن لم يكن مؤمنًا فهو أيضًا خاضع لله يعيش في ملكه مقهور بفعل الله فيه من مرض أو موت أو نوم أو جوع وإن لم يعترف بذلك، والعبادة الشرعية والتي هي التكليف وهي محور الامتحان والابتلاء لابن آدم المُختار للفعل أو الترك، وهي البرهان المثبت لمدى تحمله لأمانة العبودية، فإن تمثلها اتسق مع نفسه وفطرته، بل ومع سائر الملكوت الموحَّد من حوله.
أما من حيث الأداء فتنقسم العبادة إلى عبادة القلب، وعبادة اللسان، وعبادة الجوارح، أما عبادة القلب فنعم للقلب عبودية، وصلاح الجوارح إنما يكون بصلاحه هو من خلال التزامه بعبوديته من إخلاص وإنابة وخوف وخشية ومحبة ورجاء، وأما عن اللسان فعبوديته في نطقه بما يحبه الله ويرضاه من الذكر وقراءة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، وأما الجوارح فلليد عبودية وللقدم عبودية وللسمع عبودية وللبصر عبودية ومدار عبوديتها في تسخيرها فيما يحبه الله ويرضاه، وكثيرًا ما يجتمع القلب واللسان والجوارح في تأدية عبودية واحدة كالزواج مثلًا، وهذا التقسيم يسع كل جارحة ويخضعها للتربية، حيث إن كل عضو منها خلقه الله محلًّا قابلًا للصلاح أو الفساد بحسب ما يتربى عليه، فاللسان مثلًا قد يذهب بآخرة المرء كلها بكلمة! لذا كان إصلاحه لازمًا بسد طرق الشر أمامه من كذب وغيبة وفُحش وفتح أبواب الخير من تلاوة القرآن والذكر وطيب القول، وأما الجوارح فإن عملت في ميادين الفساد فسدت وإن عملت في ميادين الصلاح انصلح حالها وقامت بما خُلقت له، فالعين خُلقت للإبصار، فإن أطلقتها في المحرمات أَبصَرَتها وإن أطلقتها في المباحات أبصَرَتها أيضًا، وكل جارحة كذلك خُلقت مسيَّرة لك تصنع بها ما تشاء ثم هي تأتي يوم القيامة شاهدة لك أو عليك، ويقول (صلى الله عليه وسلم): “عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله”.
الفكرة من كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
مفهوم العبادة مفهوم قاصر مظلوم لدى كثير من الناس، وهذا ما جعل بعضهم يتطاول حتى حصره في المساجد فقط! العبادة لها مفهوم أوسع وأشمل من ذلك بكثير، ويسلِّط الكاتب الضوء هنا على واحد من مفاهيم أو قل من علائق العبادة بشكل خاص، ألا وهو علاقة العبادة بالتربية وآثار ذلك بشكل واضح وبأمثلة عديدة ولغة سهلة.
مؤلف كتاب العبادة وأثرها في تربية النفس الإنسانية: بحث في الأساس التعبُّدي للتربية الإسلامية
عبدالعزيز بن عبدالرحمن المحيميد: دكتور في قسم التربية كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، له العديد من المؤلفات بين البحوث والمقالات ورسائل الدكتوراه، ومن ذلك:
مصادر التربية الإسلامية.
تاريخ الفكر التربوي بين المصادر الإسلامية والمصادر الغربية.
الحوافز في التربية الإسلامية.