بركة المُصاحبة
بركة المُصاحبة
قد يستطيع الُمربي التأثير في أتباعه بشكل عميق وإن كانت مدة مصاحبته لهم مدة قصيرة، وهذا يحدث حينما يستطيع المُربي استغلال المواقف استغلالًا أمثل لغرس الأثر.
ولأن ابن عباس (رضي الله عنه) كان قريبًا من رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) فقد كان حريصًا على ملازمته وصحبته، والاطلاع على بيته ونومه ليقتدي به في كل أمر، فكان يبيت في بيت خالته ميمونة (رضي الله عنها)، فيرى رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) وهو يقوم الليل فيقف بجواره ويصلي معه.
وكان يتبع رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) فيستمع لتوجيهاته له ولغيره، وكل هذه المواقف دليل كبير على ارتباط ابن عبَّاس (رضي الله عنه) بالنبي (صلى الله عليه وسلَّم) وشدة حرصه على مصاحبته.
وهذا التعلُّق مما لا شك فيه أن من أحد أسبابه إظهار النبي (صلى الله عليه وسلَّم) المحبَّة لابن عبَّاس (رضي الله عنه)، فإظهار المحبة أساس كبير في التربية الصحيحة، ومن تلك المواقف يقول ابن عباس (رضي الله عنه): “ضمَّني النبي (صلى الله عليه وسلَّم) إلى صدره، وقال”اللهم علِّمه الحكمة”، وحينما حمله على الدابة وكان رديفًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، حتى عندما بات عند النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ليلة تلُّمس حاجته ودعا له بوسادة ليضعها تحت رأسه.
وفي التعبير عن المحبَّة لم يكن فقط بالقول، فالكثير من المواقف في اتصال جسده يُعبِّر عن روح الأبوَّة الحانية، فالمسح على الرأس، والضم، ووضع اليد على الكتف، كلها أمور تغرس المحبة في قلب الفتيان.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
من منا لا يعلم كُنية الصحابي الجليل عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه)؟ فهو حَبر هذه الأمَّة وترجمان القُرآن، وكان (رضي الله عنه) مُكثرًا من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، فكان له شأن كبير في العِلم والفقه والتفسير، إلا أن القليل منَّا يعلم أن عبدالله بن عبَّاس (رضي الله عنه) خالط النبي (صلى الله عليه وسلَّم) عامين فقط! فقد توفِّي النبي (صلى الله عليه وسلَّم)، وكان ابن عباس عمره ثلاثة أو أربعة عشر عامًا، فما السر في هذا الفضل العظيم والعلم الغزير مع قصر مُدَّة المخالطة؟
إنها تربية النبي (صلى الله عليه وسلَّم) تربية جامعة، تُقيم الرجال وتؤسِّسهم، ويظل غراسها في القلوب إلى يوم الدين.
في هذا الكتاب جمع لنا الكاتب المواقف الجامعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) وابن عبَّاس (رضي الله عنه) مُحللًا أثرها التربوي ودورها في تكوين النفس السويَّة العزيزة.
مؤلف كتاب هكذا ربَّى النبي (صلى الله عليه وسلَّم) ابن عبَّاس (رضي الله عنهما)
سليمان بن أحمد السويد: تربوي سعودي الجنسية، عمل معلمًا ثم مُشرفًا تربويًّا للصفوف الأولية بأحد قطاعات المملكة.
من مؤلفاته:
الأربعون التعليمية من حديث معلِّم البشريَّة (صلى الله عليه وسلَّم).