التسامح استدراك وحدود
التسامح استدراك وحدود
يعتري الذات الإنسانية الكثير من العوز والقصور ويتجاوز القصور مسألة الذاتية في كثير من الأحيان إلى القصور المؤسسي والتنظيمي، كالقصور في النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ونظم الدلالات والفهم والتفسير، ولا يمكن تدارك هذا القصور إلا بالدعوة إلى إعادة مراجعة أسباب التقصير بنظرة التسامحية لتلافي جوانب العجز والنقص، حيث تعتبر مثلًا أعمال البر والإحسان صورة من صور استدراك القصور على النظم السياسية والاقتصادية، كما تشكِّل المرونة في رؤية الأحداث وحسن الظن نوعًا من أنواع الاستدراك على القصور في الفهم والدلالة والتفسير، ويعتبر التسامح والتكافل الاجتماعي كذلك استدراكًا على القصور الحاصل في المنظومات الاجتماعية.
و إذا ما اعتبرنا التسامح استدراكًا إصلاحيًّا وعملية ترميم لجبر الخطأ وتلافيه، ينبغي لنا أن نعلم أنه محكوم بضوابط وحدود، فالتسامح في الأطروحة الإسلامية تحديدًا لا يقدِّم صكوك الغفران للأشرار والعدائيين بالمطلق إنما تكمن مهمته في وضع الأمور في موضعها المناسب ونصابها الصحيح، وهذا ما تؤكده التشريعات الإسلامية في تطبيقاتها لمبدأ التسامح، حيث نجد أن الشريعة على الرغم من أنها تؤسِّس لفكرة التعايش السلمي والسماحة، فإنها ترفض مبدأ التهاون في العقوبات مع من يستحقها، فلا نجدها تسوِّغ للأخذ من مبدأ التسامح أداة أو غطاءً لانتشار الظلم أو تبريره، كما أنها لا تسمح بأن يستخدم التسامح وسيلة للتجاوز على حقوق الآخرين، أو ذريعة للسكوت عن العنف والأعمال التخريبية، هذا لأن مفهوم التسامح في التشريع الإسلامي وسطي إلى حد كبير تُحفظ به الحقوق والذمم والواجبات، ويُستدرَك به على التقصير والحرج والعجز، وتُسدُّ بالامتناع عنه أبواب من الظلم والبغي والاعتداء.
الفكرة من كتاب التفكير في المفقود
في ضوء انهيار الأمة على جميع الأصعدة والمستويات ونزولها من على خشبة المسرح العالمي وتقهقرها في السباق الدولي للأمم، ومع تخلِّيها عن القيام بأدوارها المنوطة بها وارتضائها لحالة الذل والهوان وركونها للاستهلاك والكسل، يعتبر هذا الكتاب بمثابة الورقات العلمية والإضاءات الفكرية الساعية لإيقاظ الضمير والوعي في محاولة التنبيه لأهمية استعادة الذات والهوية الإسلامية من جديد وإحياء التفكير في المفقود والدعوة إلى استرداده.
مؤلف كتاب التفكير في المفقود
عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: كاتب سوري وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود، وقد حصل على البكالوريوس من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعلى الماجستير والدكتوراه من قسم اللغة بالكلية نفسها.
له العديد من المؤلفات والكتب، منها: “القراءة المثمرة”، و”العيش في الزمان الصعب”، و”تجديد الوعي”، و”اكتشاف الذات”.