الموازنات
الموازنات
لا يمكن طرح محور التوازن بعيدًا عن رؤية الوحي بشقَّيه الكتاب والسنة لأن الإنسان نزَّاع إلى التطرف بجبلته والنفس ميالة إلى الغلو بفطرتها وطبيعتها، إذ لا يمكن للنفس أن تحيا حياة متوازنة أو أن تعتنق معتقدات صحيحة وأفكارًا سليمة من دون دين رباني وشرع منزَّل من لدن حكيم خبير عليم مطلع على طبيعة هذه النفس وما يصلح لها ويصلحها، والذي يؤمِّن نصاب التوازن الواجبات والأهداف، ليس الواجب الشرعي فقط بل الحضاري أيضًا، فالالتزام بالواجبات والآداب الشرعية يجعل حياتنا في السياق الصحيح الذي ينسجم مع عقيدتنا.
فلهذا يقع على عاتقنا هاهنا عبء التزامنا بتحقيق القدر المستطاع من هذه الموازنات الشرعية التي نصَّت عليها كل تعاليم الشريعة كتابًا وسنة، ومنها على سبيل المثال ما نجده في الالتزام بالسنة مما يحقِّق جملة من الموازنات بين حقوق النفس وواجباتها، وحق الفرد وحق الجماعة، وحق الله وحقوق العباد، والتكافل الاجتماعي والوحدة الشعورية والوقاية من التميُّع أو الغلو، هذا وأكثر مما فيه من موازنات عظيمة بين طرفي الإفراط والتفريط.
حتى في باب النجاح الدنيوي والفلاح الأخروي نجد أن الشريعة تشكِّل حلقة الوصل بينهما، وأن تشريعاتها جاءت لتحقيق الوئام والانسجام بين الدنيا والآخرة، بل وجعلت من مشروع الاستخلاف واستحضار النوايا الحسنة لأعمال الدنيا سببًا رئيسًا من أسباب الفوز بالآخرة؛ إلى جانب الموازنة الفريدة التي يطرحها الدين بين العلم والعقل في تكوين الأحكام العقلية وعمليات الاستدلال والتسليم المتوازن والوحدة والشمول، حتى مع الزمان والمكان لا يغفل الدين عن فرض حالة من التوازن بين التراث والتجديد والحاضر والماضي فتجد المنهج الرباني يوجِّهنا على الدوام للتعلم من تجارب الماضي وتحسين قرارات الحاضر لصناعة مستقبل أفضل.
الفكرة من كتاب التفكير في المفقود
في ضوء انهيار الأمة على جميع الأصعدة والمستويات ونزولها من على خشبة المسرح العالمي وتقهقرها في السباق الدولي للأمم، ومع تخلِّيها عن القيام بأدوارها المنوطة بها وارتضائها لحالة الذل والهوان وركونها للاستهلاك والكسل، يعتبر هذا الكتاب بمثابة الورقات العلمية والإضاءات الفكرية الساعية لإيقاظ الضمير والوعي في محاولة التنبيه لأهمية استعادة الذات والهوية الإسلامية من جديد وإحياء التفكير في المفقود والدعوة إلى استرداده.
مؤلف كتاب التفكير في المفقود
عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: كاتب سوري وأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود، وقد حصل على البكالوريوس من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر وعلى الماجستير والدكتوراه من قسم اللغة بالكلية نفسها.
له العديد من المؤلفات والكتب، منها: “القراءة المثمرة”، و”العيش في الزمان الصعب”، و”تجديد الوعي”، و”اكتشاف الذات”.