منهج التذوق الأدبي
منهج التذوق الأدبي
اعتكف “محمود شاكر” عشر سنوات من فترة شبابه بعيدًا عن مُخالطة الحياة الأدبية، وخلال هذه العزلة العلمية التي استمرَّت حتى سنة 1936م؛ تبيَّن له منهج التذوُّق ومارسه على كل ما وقع تحت يده من الكتب التراثية، فبدأ “محمود شاكر” باستشعار مدى فساد الحياة الأدبية التي كان قد انغمس فيها، إذ يقول في مقدمة هذه الرسالة: “أحسست أنا والجيل الذي أنا منه، وهو جيل المدارس المصرية، قد تم تفريغنا تفريغًا يكاد يكون كاملًا من ماضينا كله، من علومه وآدابه وفنونه”.
وما قام به “محمود شاكر” هو أنه عمد إلى قراءة كل ما وقع تحت يديه من الشعر العربي حتى اكتسب تذوقًا فريدًا للغة الشعر، ثم قام بقراءة جميع ما استطاع ومما وقع تحت يديه من كتب السلف من تفسير للقرآن وعلومه، إلى دواوين السنة وشروحها وما تفرَّع عنها من كتب المصطلح والرجال والجرح والتعديل إلى كتب الفقه وأصوله، وكتب الملل والنحل ثم كتب الأدب والبلاغة والنحو والصرف، حتى تراءى له منهجه الفريد؛ “منهج التذوق”، ويُقصد به تذوُّق الكلام العربي وما يقصد به وما وراءه من معانٍ، وهذا المنهج سبقه إليه علماء أجلَّاء أمثال “عبد القاهر الجرجاني” و”سيبويه”، وغيرهما.
إن المدخل الوحيد لاستخلاص واستنباط أصول الثقافة العربية والإسلامية عند محمود شاكر هو منهج “التذوق” الذي تحدث عنه في مختلف كتاباته، وهو المنهج الذي اعتمده في تحصيل العلوم والانتفاع بالمعارف والثقافات المختلفة، وهو منهج اتبعه العلماء في السابق، ويرى الكاتب أنه المنهج الأنسب في التدوين والدراسة، كما أن هذا المنهج يحتاج في تحقُّقِه إلى عناية خاصة باللغة والثقافة كي يضمن الإنسان السير السليم في منهج التذوق وتحقيق غاية النفع به.
الفكرة من كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
إنَّ المدخل الوحيد لاستخلاص واستنباط أصول الثقافة العربية والإسلامية عند “محمود شاكر” هو منهج “التذوُّق” الذي تحدَّث عنه في مختلف كتاباته، وليس في كتابنا هذا فحسب، وقضية التذوق عند محمود شاكر هي قضية حياته المحورية التي تجلَّت في كل كتاباته، الأمر الذي تعدَّى إذن القراءة المجردة للنصوص، أو حتى القراءة النقدية التفصيلية، وإنما تغلغلت حتى بلغت العظم منها والنخاع، وهي درجة عظيمة من النفوذ في البيان العربي، درجة مكَّنته من بلوغ منزلة فريدة من الاجتهاد والتغلغل في اللسان العربي فاستطاع أن يقرأ التراث العربي والإسلامي ويستنبط أصوله، بل استطاع “تذوُّق” طعم النص حتى استخلص تلك الأصول والمنهجية منه، ولم يُجرِ “محمود شاكر” تلك المنهجية على الشعر فقط، وإنما على النصوص المنثورة أيضًا، فكان منهجًا عامًّا له على كل ما قرأ.
مؤلف كتاب رسالة في الطريق إلى ثقافتنا
محمود محمد شاكر: لُقِّب بأبي فهر، وُلِد في 1 فبراير عام 1909، وتوفي في 7 أغسطس 1997 م، وقد نشأ الأستاذ محمود شاكر في بيئة متديِّنة، إذ كان أبوه كبيرًا لعلماء الإسكندرية ثم وكيلًا للجامع الأزهر، ولم يتلقَّ إخوته تعليمًا مدنيًّا، أما هو وقد كان أصغر إخوته، فقد انصرف إلى التعليم المدني، فتلقَّى أولى مراحل تعليمه في مدرسة الوالدة أم عباس في القاهرة سنة 1916 ثم بعد ثورة 1919 إلى مدرسة القربية بدرب الجماميز، وهناك تأثَّر كثيرًا بدروس الإنجليزية لاهتمامهم بها ولكونها جديدة عليه، ولما كان يقضي أوقاتًا كثيرة في الجامع الأزهر فقد سمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! ومن الجدير بالذكر أنه حفظ ديوان المتنبي كاملًا في تلك الفترة.
ألَّف الأستاذ “محمود شاكر” هذا الكتاب في عام 1978، تقريبًا في نفس الوقت الذي ألَّف فيه “إدوارد سعيد” كتابه “الاستشراق”، هذا الكتاب “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا” لم يكن منفصلًا وإنَّما صدر كمقدِّمة لكتاب “المتنبي”.