القُريَّات والصحراء الواسعة
القُريَّات والصحراء الواسعة
قريات الملح هي قرى ست متقاربة، أكبر تلك قرى قرية تُدعى “كاف”، وهي قرية في منطقة غائرة، أول ما استقبله الوفد منها كان الحصن، وكان حصنًا كبيرًا مبنيًّا من رمال يحوطها نخل قليل وحقول تزرع بها بعض الخضر، ويُحيط بالبلدة وبساتينها صخور هائلة مهيبة كأنها سور رباني، وتعتمد الحياة في هذه القرى على الملح المستخرج من السباخ القريبة من البلد ويتم تصديره إلى حوران وشرقي الأردن.
بات الفوج في دار في القرية وأتاهم العشاء من قصر الأمير، واستقبلهم نائب الأمير استقبالًا مبشرًا وأحسن استقبالهم وضيافتهم، وحين ذهبوا إلى غداء الأمير رأوا عادات غير مألوفة لهم، وطرائق مختلفة في الطعام لم يعرفوها من قبل، فاستمتعوا بالاختلاف والصُحبة والضيافة الكريمة.
وبعد رحيل الفوج من “القريَّات” توجهوا صوب “تبوك”، وكانوا يسيرون النهار كلَّه بالسيارة سيرًا بطيئًا كي لا تغوص في الرمال، ويتحرون من أجل هذا خير الطرق، وفي أثناء رحلتهم كانوا يتمتعون كثيرًا بأمسيات الصحراء -حيث تمدُّ بصرك فلا يحدُّه شيء، وترى الشروق والغروب في أروع الصور- ويتمتعون أيضًا بلطف الليل ونسيمه العليل، ومع الفجر يكونون في أوج نشاطهم، بهم شيء من روح الصحراء الفتيَّة، ويصف الشيخ الطنطاوي الصحراء قائلًا: “الحب والحرب، فليلها للحب، ونهارها للحرب”، ويعترف أن الصحراء قد نقَّت نفسه وصفَّتها وعلمته الشعور بجمال القبح، علمته جمال الكون، ليصل بذلك إلى معرفة كمال المكون سُبحانه.
ورمال البادية على نوعين: رمال منبسطة بيضاء كالغبار، ورمال حمراء حباتها أكبر وامتدادها أكثر، وهذه الرمال هي آفة السيارات، لأنها تعوق مسيرتها وتكاد تغرقها، وفيها معاناة شديدة للمسافر فيها، ورغم كل هذا فالبادية ساحرة، تمتد أمام بصرك كأنها ملكك، ويأتي الليل فتسامر نجومها التي في السماء فتعرف بذلك جمال الكون وعظمة الخالق.
الفكرة من كتاب من نفحات الحرم
يقول رسول الله (ﷺ): “لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى”.
يتناول كتاب “من نفحات الحرم” رحلة وفد سوري من دمشق إلى المدينة ثم إلى مكة المكرمة، في مشاهد جليلة مرَّ بها، ويصف لنا فيها طبيعة الحياة في بلاد الحرمين، بأسلوب أدبي جميل.
مؤلف كتاب من نفحات الحرم
علي الطنطاوي (1909- 1999م): كاتب وفقيه وأديب وقاضٍ سوري، يُعد من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين، كتب في كثير من الصحف العربية لسنوات طويلة منها الرسالة المصرية، والمقتبس، والأيام والشرق الأوسط، وغيرها.
عمل منذ شبابه في سلك التعليم الابتدائي والثانوي في سوريا والعراق ولبنان حتى عام 1940، وترك التعليم ودخل سلك القضاء، فأمضى فيه خمسة وعشرين عامًا من قاضٍ في النبك ثم انتقل إلى دمشق فصار القاضي الممتاز فيها، ونقل مستشارًا إلى محكمة النقض في الشام، ثم مستشارًا لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر، وقد أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساسًا للقانون الحالي لسورية.
من أشهر مؤلفاته:
صور وخواطر.
من حديث النفس
حكايات من التاريخ.
سيد رجال التاريخ محمد ﷺ.
ذكريات علي الطنطاوي.