من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة
من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة
بعد المرور على البقيع، تلك البُقعة الطاهرة التي دُفِن فيها خير خلق الله بعد الأنبياء، أرض يعتريك فيها رهبة شديدة، في موقف عظيم فيه جلال الموت وخوف الفناء، وبخشوع تلك اللحظات يخرج الفوج مُتجهًا إلى مكة، بعد فراق المدينة الموجع، رحلة طويلة شاقة لا يُسلي العبد فيها إلا الشوق إلى رؤية البيت الحرام، ويصف “الطنطاوي” مشهد الكعبة قائلًا: “وشعور المسلم حين يصل إلى المسجد الحرام، وتبدو له الكعبة لأول مرة، لا يمكن أن يصفه قلم كاتب ولا لسان أديب”.
ها نحن قد وصلنا إلى أوَّل منزلٍ للبشر، “عرفة” تلك التي تعارف فيها أبو الأنبياء آدم (عليه السلام) على أمنا حواء، وصلنا إلى البلد الذي خرج منه الإسلام، وولدت فيه اللغة العربية قبل الإسلام. إنه مكة المُباركة قبلة الإسلام والمسلمين، البلدة التي شرَّفها الله ببيته الحرام.
صحيح أن الخبر ليس كالعيان، وصحيح أن الجلال مُعجِز عن البيان، وأنه يستحيل وصف شعور الحاج عند وقوفه على باب الحرم، وعندما تُصافح عيناه الكعبة لأول مرة، لكن الوصف هنا على سبيل الشوق، إحساس الاقتراب من الحبيب بعد أن زالت كل الحواجز التي حالت بينكما فأذن الله لكما باللقاء، وعندما تُفتح أبواب السماء ويخفت دبيب الأهواء، ويتوجَّه الحجاج بالدعاء إلى رب الأرض والسماء، تكتظ الأرض بالحجاج وتكتظ السماء بالملائكة ويشهد الله جلَّ في عُلاه على هذه الجموع، تتجلَّى في عرفات عظمة الإسلام دين الحق والعدل، وتشهد تلك البقعة المُباركة على خير خُطبة أُلقيت على بشر، خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله (ﷺ) على مسامع الصحابة الكرام، وفيها أعظم عهود ووصايا ووعود لمن ألقى السمع وهو شهيد.
الفكرة من كتاب من نفحات الحرم
يقول رسول الله (ﷺ): “لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى”.
يتناول كتاب “من نفحات الحرم” رحلة وفد سوري من دمشق إلى المدينة ثم إلى مكة المكرمة، في مشاهد جليلة مرَّ بها، ويصف لنا فيها طبيعة الحياة في بلاد الحرمين، بأسلوب أدبي جميل.
مؤلف كتاب من نفحات الحرم
علي الطنطاوي (1909- 1999م): كاتب وفقيه وأديب وقاضٍ سوري، يُعد من كبار أعلام الدعوة الإسلامية والأدب العربي في القرن العشرين، كتب في كثير من الصحف العربية لسنوات طويلة منها الرسالة المصرية، والمقتبس، والأيام والشرق الأوسط، وغيرها.
عمل منذ شبابه في سلك التعليم الابتدائي والثانوي في سوريا والعراق ولبنان حتى عام 1940، وترك التعليم ودخل سلك القضاء، فأمضى فيه خمسة وعشرين عامًا من قاضٍ في النبك ثم انتقل إلى دمشق فصار القاضي الممتاز فيها، ونقل مستشارًا إلى محكمة النقض في الشام، ثم مستشارًا لمحكمة النقض في القاهرة أيام الوحدة مع مصر، وقد أعد مشروع قانون الأحوال الشخصية كله وصار هذا المشروع أساسًا للقانون الحالي لسورية.
من أشهر مؤلفاته:
صور وخواطر.
من حديث النفس
حكايات من التاريخ.
سيد رجال التاريخ محمد ﷺ.
ذكريات علي الطنطاوي.