المشكلة اللغوية
المشكلة اللغوية
لا أظن أحدًا يُنكر أن اللغة العربية تواجه مشكلاتٍ في عصرنا، ولكننا لن نصل إلى الحلول إلا إذا سِرنا بطريقةٍ منهجية، فنحدِّد أبعاد المشكلة انطلاقًا من مقدماتٍ تمهيدية إلى فروضٍ مبنية عليها، وندرس التصورات التي أدت إلى وقوع المشكلة، ثم نقترح حلولًا تدعمها براهين ونناقشها، لنمضي بالمعرفة إلى الأمام. وهذه الطريقة لا تخصُّ الباحث الأكاديمي وحده دون الكاتب أو الإعلامي، وإنما هي مطلوبةٌ من كل من يخرج باللغة والكلام ممَّا يسميه المؤلف إطار الاستهلاك اليومي في الشارع والبيت إلى إطار تدوين الأفكار المتماسكة.
واتباعنا للمنهجية يجعلنا لا نناقش المشكلات من خلال دعوات وهتافات منفعلة، ولا من خلال إسقاط رموز وأعلام التراث العربي كما في قول الأستاذ شريف الشوباشي في عنوان كتابه “لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه”، والذي طرح فيه مشكلات لغوية غير واقعية، وتلك المشكلات الزائفة ربما تُطرَح بسبب حماس زائد مقرون بجمع أفكارٍ متناثرة، مثل قداسة اللغة العربية، أو علاقة غير المسلمين بها؛ فهي حاضرة عبر التاريخ في رموز مثل السموأل والأخطل وخليل مطران وميخائيل نعيمة وغيرهم، أو تحنيط اللغة؛ وهي لغة حية تحتفظ بجذور راسخة تمكِّن المثقف العادي من فهم بيت امرئ القيس: “أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي * وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ”، ولكنها في ذات الوقت تتطور تطورًا واضحًا بمرور الزمن نلاحظه حين نقارن مثلًا نصًّا من كتاب “الصداقة والأصدقاء” لأبي حيان التوحيدي الذي عاش في القرن الرابع الهجري بآخَر من “عجائب الآثار” للجبرتي بمقالاتٍ من صحف القرن الحادي والعشرين، وتطور العربية لا يقف هنا، لأن ما فيها من الخصائص والتوازن اللغوي يمكنها من مواكبة ثورة المعلومات في هذا العصر، وقد أثبتت جدارتها من منظور معالجة اللغات الإنسانية آليًّا كلغة عالمية كما يشهد لها الدكتور نبيل علي رائد الهندسة اللغوية في كتابه “العرب وعصر المعلومات”.
الفكرة من كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
اللغة العربية لغة عريقة، وهي من أطول اللغات عمرًا وأكثرها انتشارًا، وقد نالَت شرفًا كبيرًا حين نزل بها القرآن الكريم؛ ولم يعد الحفاظ عليها مرتبطًا بإرث لغوي فقط، وإنما بحفظ الوعاء الذي يحمل رسالة الإسلام. وقد مرت العربية عبر التاريخ بمراحل انتشار وازدهار استوعبت فيها عطاء اللغات والحضارات الأخرى، وبمراحل انحسار وذبول، والحرب التي نشهدها اليوم على لغتنا هي فصل من حكاية طويلة شهِد القرنان الماضيان على كثيرٍ من فصولها التي كتبها الاستعمار ليوهمنا أن التقدم لا يكون إلا بالقطيعة مع التراث، ذلك لأن الشعوب تُستعبد حين يُسلَب منها لسانها؛ وانطلاقًا من ذلك يتناول الكتاب مشكلة اللغة العربية التي هي مشكلة الهوية العربية من جوانب متعددة محاولًا رسم أُطُرٍ للحل.
مؤلف كتاب إنقاذ اللغة إنقاذ الهوية
الدكتور أحمد درويش: شاعر وناقد مصري، حصل على ليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وترتيبه الأول على الخريجين بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1967، ثم نال درجة الماجستير في الدراسات البلاغية والنقدية بتقدير ممتاز من نفس الجامعة عام 1972، ثم حصل على دكتوراه الدولة في الآداب والعلوم الإنسانية: تخصُّص نقد أدبي وأدب مقارن من جامعة السوربون في باريس عام 1982.
وهو عضو خبير في “مجمع اللغة العربية” بالقاهرة، وقد درَّس وحاضر في عدد من الجامعات والمعاهد، وفاز بجوائز عديدة من أهمها جائزة الدولة التقديرية للآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2008.
له مؤلفات كثيرة، منها: “ثقافتنا في عصر العولمة”، و”خليل مطران شاعر الذات والوجدان”، و”في صحبة الأميرين أبي فراس الحمداني وعبد القادر الجزائري”، و”الاستشراق الفرنسي والأدب العربي”، و”نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي”، وديوان “أفئدة الطير”.