يوم في حياة عالي الهمة
يوم في حياة عالي الهمة
حسنًا، ماذا أفعل كطالب هداية؟ عرفت ملامح الشخصية المطلوبة وترقَّيت بنفسي في مدارج الترقي، وحدَّدت هدفي الأكبر وغايتي العظمى وهي النجاة حتى ألقى ربي، ماذا أفعل بعد ذلك؟ ما الخطوات العملية؟
لا توجد خطوات عملية تفصيلية لأن سير كل واحد يختلف بحسب استطاعته ووقته وشغله، وإنما هناك نظام يعيش عليه المسلم، وأهم ما في هذا النظام هو تقدير الوقت وشغله بالنافع، فالمسلم الرباني الصادق الجاد لا يعيش كما يعيش الناس في غفلة ولهو تسوقهم الأيام سوقًا إلى حتفهم، لا جديد يمر عليهم في يومهم، فهم يأكلون وينامون ويتزوجون ويموتون، بل وربما يقضون أوقاتهم أمام شاشات التلفاز ويضيعون أعمارهم في مجالس الغيبة والنميمة لا يعطون الحياة قيمتها الحقيقية ولا يزنون الأعمال بميزانها الصحيح.
ولاستغلال الوقت الاستغلال الأمثل ولكي نعرف بماذا نملؤه، فعلينا أن نعرف احتياجات أنفسنا أولًا وهنا يأتي ما يسميه الكاتب بجلسات المصارحة، فمتى كانت آخر مرة جلسنا فيها مع أنفسنا جلسة صادقة تعرَّفنا فيها عليها وحاسبناها وراجعنا ما لنا وما علينا؟
وينصح الكاتب هنا بأن تكون لطالب العلم أكثر من جلسة مصارحة، وأن يختار الوقت المناسب لها، فبالطبع لن يتعرَّف على نفسه في جلسة واحدة وبخاصةٍ إن كان يفعل هذا لأول مرة لأنه سيجد صعوبة وغرابة في بداية الأمر.
وبعد أن جلسنا مع أنفسنا وحدَّدنا ما لنا وما علينا وما نحتاج ورسمنا خطَّتنا ومنهجنا وملأنا أوقاتنا بالنافع، كيف نلتزم بهذا كله ولا نزيغ عنه؟
أولًا لا بد للخطة التي وضعناها أن تكون مرنة تسمح بحدوث المفاجآت والتغيُّرات الطارئة، وتقبل التعديل بحسب الظروف، ثم نأتي لتقويم النفس التي ستنفِّذ هذه الخطة، ومما يقوِّمها ما سماه الكاتب بالمشارطة، وذلك بأن نجلس مع أنفسنا فور استيقاظنا نذكِّرها بمهام اليوم وما ينتظرنا من أعمال وإنجازات فنشعل فتيل الهمَّة بداخلنا ونشجِّع أنفسنا ولا ننتظر تشجيعًا من غيرنا، والمشارطة من الشروط ففيها، نلزم أنفسنا بعهود ونتحدث معها حديث الحلفاء المتعاهدين، لتأتي بعدها المراقبة، فخير رقيب على المرء نفسه فهو يعلم مداخلها ومخارجها، ويعلم فيم أحسنت وفيم قصَّرت.
وأثناء ذلك كله لا بد من مجاهدة، فالطريق شاق وطويل في أوله ولا يُقطع إلا بالمسير والصبر والنفس فوق هذا كسولة ضجرة ملولة، فعليه أن يصبر عليها وأن يجاهدها ويضبطها ويشتدُّ عليها حتى تكون هي تابعة له ولا يكون تابعًا لها.
أصحاب الهمم يحاسبون أنفسهم كل يوم حساب الساعي إلى الأفضل لا حساب الجلادين، وحسابهم لأنفسهم لا يتجاوز الدقائق المعدودة، وقد يلجؤون لمعاقبة أنفسهم إن لم تتجاوب مع كل ما مضى من جهاد ومشارطة وعتاب ومحاسبة، وهنا نقطة مهمة، وهي أن العقاب لا يكون بالعبادة لئلا يصبح الأمر منفرًا أكثر للأنفس.
إن التعامل مع النفس يحتاج إلى حكمة ودراية حتى تصبح معينة للمرء على بلوغ المعالي.
الفكرة من كتاب الخطَّة البرَّاقة لذي النفس التوَّاقة
كثيرًا ما نرغب في سلوك طريق الاستقامة، أن ننضم إلى ركب السائرين إلى الله الساعين في مرضاته أصحاب الهمم العالية وأن نموت على ذلك، يأتينا خاطر: “إلى متى هذا التخبُّط، وكيف نبدأ بداية صحيحة، وإلى من نذهب ليدلَّنا على الطريق؟”، ويأتي هذا الكتاب ليدلَّ كل طالب علم وسالك لطريق الحق على البداية ويرسم له الخطوط العامة ويبصره بما له وما عليه ويساعده على بناء منهجه وتنظيم يومه، وهو في هذا مبني على أساس من الكتاب والسنة، وهما الأصل والمنطلق لمن يطلب سيرًا بغير ضلال ولا اعوجاج.
مؤلف كتاب الخطَّة البرَّاقة لذي النفس التوَّاقة
صلاح الخالدي: كاتب أردني أزهري الدراسة الثانوية، تعلم في كلية الشريعة ثم درس الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت رسالته التي أعدها بعنوان “سيد قطب والتصوير الفني في القرآن”، فقد كان متأثرًا تأثرًا كبيرًا بالشيخ سيد قطب، بكتاباته على الأصح، فلم تكن بينه وبين الشيخ علاقة شخصية.
ومن أبرز مؤلفاته:
لطائف قرآنية.
صور من جهاد الصحابة.
ثوابت المسلم المعاصر.