اعصر وقتك عصرًا
اعصر وقتك عصرًا
﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، جاهل من اعتقد أن القرآن آيات تتلى في الصلوات والتراويح وحسن البأس وللرقية فحسب، بل هو منهاج محكم وآيات فُصِّلت تفصيلًا للعلم ثم للعمل بها، ومنها هذه السورة التي على قصرها تعد حكمًا وحكمة، حكمًا بالخسران المؤبَّد على جنس الإنسان وحكمة يتواصى بها من أراد النجاة من هذا التأبيد.
يقسم بالله بالعصر، وقبل أن نعلم معنى العصر فلا بد أن نقف هنا وقفة عند القسم، فقسم الملك العظيم الجبار بشيء يصبغه بصبغة العظمة ولا بد، فالعصر هنا هو الزمان وأصل الكلمة هو ضغط الشيء حتى يتحلَّب، وكأن الله سبحانه ينبهنا هنا إلى أن الفلاح والنجاة من الخسارة يكون أول ما يكون لمن عرف قيمة زمانه وعمره فعصره عصرًا حتى خرج منه بأقصى منفعة وفائدة، ثم تأتي بعد ذلك بقية الأعمال لكن الأصل والأساس هو في قيمة وتقدير هذا الزمن عند المرء، وصدق الرسول الكريم حين قال: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”، والمغبون هو الخاسر خسارة فادحة، فقيمة الوقت في الإسلام قيمة محورية ترتَّب عليها سعادة المرة أو شقاوته، وما للمرء إلا أيام؛ فإن ذهب يومه ذهب بعضه كما قال الحسن البصري.
ثم ذكرت السورة أوصافًا لأولئك المفلحين الناجحين، فهم على الترتيب آمنوا، فدون إيمان بعالم الغيب لن يكون للزمان قيمة في نفوسهم أصلًا، ثم إن لهذا الإيمان تبعاتٍ وأعمالًا، فالإيمان في حقيقته قول باللسان لكنه أيضًا عمل بالجوارح، فأعمال الجوارح هي ثمرة الإيمان والتصديق بالقلب، ولم يعملوا أي عمل ولكنهم عملوا الصالحات من الأعمال، بل وتعدَّت أعمالهم الصالحة تلك نفعها عن أنفسهم إلى غيرهم فتواصوا فيما بينهم على الثبات والمداومة، ولا يكون التواصي عن جهل، بل لا بد أن يسبقه علم بما نتواصى به ثم نتواصى عليه، وهنا لطيفة أشارت إليها الآية في كلمة التواصي بحرف واحد فقط، وهي ألف المفاعلة التي تدل على أن عملية التواصي هذه هي عملية مشتركة علاقة من طرفين لا من طرف واحد فقط.
وأخيرًا بعد أن آمنوا، وعلموا الحق وعملوا به وتواصوا عليه فلا بد أن يأتي الصبر، فالحياة صبر ومجاهدة مستمرة ففي كل يوم تحدٍّ جديد، وشهوة جديدة، وشبهة جديدة، وإن لم تكن هناك هذه التحديات اليومية فطريق الحق نفسه شاق وطويل ويحتاج إلى الصبر للثبات عليه، ولن يستطيع المرء في كل الأزمنة والظروف أن يبقى ثابتًا صامدًا وحده، بل سيحتاج إلى من يذكره إذا نسي ويشجِّعه إذا تكاسل ويدفعه حين يفتر.
الفكرة من كتاب الخطَّة البرَّاقة لذي النفس التوَّاقة
كثيرًا ما نرغب في سلوك طريق الاستقامة، أن ننضم إلى ركب السائرين إلى الله الساعين في مرضاته أصحاب الهمم العالية وأن نموت على ذلك، يأتينا خاطر: “إلى متى هذا التخبُّط، وكيف نبدأ بداية صحيحة، وإلى من نذهب ليدلَّنا على الطريق؟”، ويأتي هذا الكتاب ليدلَّ كل طالب علم وسالك لطريق الحق على البداية ويرسم له الخطوط العامة ويبصره بما له وما عليه ويساعده على بناء منهجه وتنظيم يومه، وهو في هذا مبني على أساس من الكتاب والسنة، وهما الأصل والمنطلق لمن يطلب سيرًا بغير ضلال ولا اعوجاج.
مؤلف كتاب الخطَّة البرَّاقة لذي النفس التوَّاقة
صلاح الخالدي: كاتب أردني أزهري الدراسة الثانوية، تعلم في كلية الشريعة ثم درس الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت رسالته التي أعدها بعنوان “سيد قطب والتصوير الفني في القرآن”، فقد كان متأثرًا تأثرًا كبيرًا بالشيخ سيد قطب، بكتاباته على الأصح، فلم تكن بينه وبين الشيخ علاقة شخصية.
ومن أبرز مؤلفاته:
لطائف قرآنية.
صور من جهاد الصحابة.
ثوابت المسلم المعاصر.