الحُكم الأخلاقي.. مقاييسُه وغاياته
الحُكم الأخلاقي.. مقاييسُه وغاياته
بعد أن عرَّفنا علم الأخلاق، ننتقل إلى التطبيق العملي له وهو الحكم الأخلاقي، والذي يعني الحكم بالخير والشر على عمل إرادي باعتبار الغرض منه لا الناتج عنه، وهذه نُقطة مُهمة فاصلة، لأننا قد نظلم نية الفاعل وحُسن مقاصده عند الحُكم على العمل باعتبار ما نتج عنه، لذلك لا نُصدر الأحكام إلا على أنفسنا أو من أخبرنا بغرضه، أو من أقمنا القرائن على نيَّته،هذا في ما يخصُّ الحُكم على العمل، لكن عند إصدار الحُكم على الشخص العامل نفسه، فإننا نحكم بحاصل جمع أعمال الخير والشر لديه، فنقول فُلان صالح عندما يغلب خيره على شره والعكس.
وللحُكم الأخلاقي مراجِع أو مقاييس عدَّة: أوَّلها العُرف، وهو أقدم المقاييس وأكثرها سذاجة لأن بعضه ضار ومُخالف للمنطق والشريعة، ومثال ذلك أعراف الجاهلية؛ كوأد البنات وحرية الأب عند الرومان في قتل أولاده،لذلك فالعرف غير صالح لأن يكون مقياسًا للحكم الأخلاقي، والمقياس الثاني هو الرأي الشخصي، وهو مقياس حديث غاب عن الجاهلية والعصور القديمة التي كان الفرد فيها طوعًا للمجتمع دون النظر إلى رأيه، أما المقياس الثالث فهو الوجدان، والذي يتمثَّل في الشعور بالارتياح أو الاشمئزاز تجاه الفِعل، وأخوه مقياس العقل والاستدلال، لكنَّه أكثر دقَّة، ويتشكَّل بالرؤية والتجربة والملاحظة، وآخر المقاييس وأمتنُها هو البحث العلمي، وهو مقياس ذو أسس عالمية، أي أن الحكم الأخلاقي المبني على أساسه تتفق عليه البلاد المختلفة.
وعلى ذلك يجب أن نعلم أن الحُكم الأخلاقي مهارة تُولد مع الفرد، تُربّيِها الأسرة أولًا وتُشكِّلها في الطفل بحسب أعرافِها ومراجعها في التربية، ثم ينخرط الطفل في المجتمع فينهل منه معاني أخرى جديدة للخير والشر، إلى أن يُصبح راشدًا يستطيع تفنيد تلك المعاني عن طريق العلم والكتب والحقائق ودراسة علم الأخلاق، ليصل بذلك إلى أرقى مفاهيم الحُكم الأخلاقي.
الفكرة من كتاب كتاب الأخلاق
هذا الكتاب هو مشروع تربوي مُتكامل يُوجِّه كل المُواطنين، الأب والابن؛ المعلم والمتعلم، إلى المنهج السليم للأخلاق الحسنة، ويقدِّم شرحًا مُبسَّطًا لماهية علم الأخلاق وأسسه ومبادئه، ومقاييسه التي يُقاس بها، ويُشعل الهمم للعمل واكتساب الفضيلة بصورة عملية يمكن الاستفادة منها بعيدًا عن الجهة النظرية التي تخصُّ الفلاسفة.
مؤلف كتاب كتاب الأخلاق
أحمد أمين: كاتب وأديب ومفكر مصري وُلد في القاهرة وتدرَّج في تعليمه من الكُتَّاب إلى الأزهر حتى وصل مدرسة القضاء الشرعي ليعمل بعدها قاضيًا، ثم عمل مُدرسًا في كلية الآداب جامعة القاهرة بمشورة طه حسين حتى عُيِّن عميدًا لها، وأنشأ مع زملائه “لجنة التأليف والترجمة والنشر”، ومجلتي “الرسالة” و”الثقافة”، واشتهر بمؤلفاته في أبواب التربية والفكر والإصلاح مثل: كتاب “علمتني الحياة”، و”إلى ولدي”، وله سلسلة كتب تأريخية مشهورة عن الإسلام هي: “فجر الإسلام”، و”ضحى الإسلام”، و”ظهر الإسلام”.