عندما يكون واقعنا ضدنا
عندما يكون واقعنا ضدنا
هل لجأت للاعتذار عن شيء ما وقلت آسف، ثم تفاجأت برد يأتيك على هيئة “في أي بنك سأصرف آسف؟!” من المؤكد أنك تعرضت لموقف مثل هذا، هذا مثال للتحيز اللا واعي للنموذج المادي الغربي الذي لا يتعامل إلا بلغة المادة والمكسب والخسارة، وهو تحيز ضدنا وضد نموذجنا الذي يدعو إلى التراحم والتسامح والإخاء، والذي استبدلناه بـ “عفا الله عنا وعنكم”، “لا عليك” وغيره مما يراعي ضعف الإنسان وأنه ليس معصومًا من الخطأ، كما يطيب القلب وينمي أواصر المجتمع بكلمات البنوك والصرافة التي جعلت القلوب قاسية كالحجارة أو أشد قسوة.
هل لفت انتباهك ضعف لغة حوارنا اليومية وكيف اختلط بها العربي والأجنبي والعامي فأصبحت مسخًا لا معالم له ولا هوية، وهذا أقسى أشكال التحيز أن تتحيز لما يهدم لغتك وتمسك سيفًا في يدك لتقطع رأس هويتك، نعم، الأمر لا يقل سوءًا عن ذلك.
هل سألت أولادك عن كراسات الخط العربي التي كانت المدرسة تسلمها للطلاب وتخصص من جدولها حصصًا لهذا الفن العريق الذي امتازت به الحضارة العربية والإسلامية على مر العصور.
ولكن لِمَ السؤال والاهتمام! فما دام النموذج الغربي لا يتضمنه فهو ليس فنًّا ولم يعد يستحق نصيبًا من الكراسات والحصص والتعلم والممارسة، أرأيت كيف يكون الوضع حينما تتبع أثر الآخر وتزاحمه في طرقه وتترك طرقاتك موحشة وعرة خربة!
بل إن التراث أخذ يكتسب شرعيته بمقدار اقترابه أو ابتعاده عن النموذج الحضاري الغربي، وبالتدريج يتم تغريب النموذج الإسلامي بحيث يتفق مع النموذج الحضاري الغربي الحديث، فلا قيمة للطب البديل والعلاج بالأعشاب والحجامة… إلخ إلا إذا أقر الغرب ذلك، فنصبح تابعين رغم ريادتنا وممارستنا لذلك ببراعة فائقة في الحضارات الشرقية القديمة مثل الفرعونية وكذلك في الحضارة الإسلامية.
الفكرة من كتاب العالم من منظور غربي
هل تعيش السمكة خارج الماء، أو يعيش الفيل على أغصان الأشجار؟! هل يمكن تعميم سمات بيئة معينة لتصبح فرضًا على الجميع وإذا فكر أحدهم في التخلي عنها يتم إتهامه بالتخلف والجهل والرجعية؟! هل يجدر بالعالم أن يرتدي كله ثوبًا واحدًا والأصل فيه تعدد الألوان والأنواع والأشكال؟
كل هذه الأسئلة وأكثر ستجدها في هذا الكتاب ضمن مناقشات وافية وأمثلة توضيحية شاملة وأفكار رصينة ترسم الصورة وأسلوب دقيق يلون تفاصيلها.
مؤلف كتاب العالم من منظور غربي
د.عبد الوهاب محمد المسيري (١٩٣٨ – ٢٠٠٨) هو مفكر وعالم اجتماع وكاتب مصري. تخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية بقسم اللغة الإنجليزية عام ١٩٥٩ ليتعين معيدًا فيها. حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن عام ١٩٦٤من جامعة كولومبيا وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز عام ١٩٦٩ وذلك خلال سفره للولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى مصر درَّس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية أهمها جامعة الملك سعود. صدرت له عشرات الدراسات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، ويعتبر واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين والمتخصصين في الحركة الصهيونية.
ومن أهم أعماله موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين.