فقه التحيز وصناعة النماذج المعرفية
فقه التحيز وصناعة النماذج المعرفية
“من أنا؟” و”لِمَ أنا؟” و”ما الغاية من وجودي؟” و”ما جوهر الكون والحياة؟” أسئلة راودت أول بني البشر وستستمر حتى آخرهم، أسئلة تعددت إجاباتها وتكاثرت فيها الأقاويل والفلسفات والنماذج المعرفية التفسيرية، فما يسميه الإنسان اختيارًا هو في أصله تحيزٌ، فمتى يختار نموذج الإجابة المثالي في رأيه، يبدأ في النظر إلى الكون وكل ما فيه من وراء عدسات هذا النموذج، ويعيش حياته تحت سماء تحيزاته وفوق أرض مفاهيمه وقيمه.
ونجد أنه حينما ذهب المستعمرون البيض إلى إفريقيا، كانوا ينظرون إلى عري النساء هناك كعلامة على التخلف والرجعية، لذا كانوا يرتدون ملابس في غاية التركيب لضمان تغطية كل أجزاء أجسامهم (هكذا كان نموذجهم المعرفي الذي يتحكم في تحديد معاييرهم وتوجيه سلوكياتهم). ولكن مع منتصف الستينيات تغير النموذج المعرفي، وتبدلت العدسة التي ينظر من خلالها الإنسان الغربي إلى الكون، وتبدل الحال من التحيز للملابس المركبة الساترة إلى التحيز ضد الملابس والاكتفاء بالحد الأدنى منها، ليصبح العري علامة التقدم والتحرر والاستنارة!
وما بين تعدد نماذج الإجابة وتركيبية العالم وتناقضاته وفاعلية العقل البشري في التحليل والأخذ والرد وتحكم اللغة في الإدراك وتوجهه يصبح التحيز حتميًّا، فأنت تواجه الخير والشر، الإتقان والإهمال، الكرم والبخل، وغيرها من الثنائيات اللا نهائية في كل دقيقة من حياتك، فهل يمكنك جمعها أو يمكن لحياتك أن تسير دون الاختيار بينها؟ أم أنك تجد نفسك متحيزًا قريبًا لأحدها فتختاره وتتمسك به؟ فحتى النظريات التي تنكر التحيز هي ذاتها متحيزة لرؤية محددة، ومع هذا فهو ليس بنهائي وإنما النهائي هو الإنسانية المشتركة والقيم الأخلاقية التي تسبق أي تحيز.
الفكرة من كتاب العالم من منظور غربي
هل تعيش السمكة خارج الماء، أو يعيش الفيل على أغصان الأشجار؟! هل يمكن تعميم سمات بيئة معينة لتصبح فرضًا على الجميع وإذا فكر أحدهم في التخلي عنها يتم إتهامه بالتخلف والجهل والرجعية؟! هل يجدر بالعالم أن يرتدي كله ثوبًا واحدًا والأصل فيه تعدد الألوان والأنواع والأشكال؟
كل هذه الأسئلة وأكثر ستجدها في هذا الكتاب ضمن مناقشات وافية وأمثلة توضيحية شاملة وأفكار رصينة ترسم الصورة وأسلوب دقيق يلون تفاصيلها.
مؤلف كتاب العالم من منظور غربي
د.عبد الوهاب محمد المسيري (١٩٣٨ – ٢٠٠٨) هو مفكر وعالم اجتماع وكاتب مصري. تخرج في كلية الآداب جامعة الإسكندرية بقسم اللغة الإنجليزية عام ١٩٥٩ ليتعين معيدًا فيها. حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن عام ١٩٦٤من جامعة كولومبيا وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز عام ١٩٦٩ وذلك خلال سفره للولايات المتحدة الأمريكية. وبعد عودته إلى مصر درَّس في جامعة عين شمس وعدة جامعات عربية أهمها جامعة الملك سعود. صدرت له عشرات الدراسات عن إسرائيل والحركة الصهيونية، ويعتبر واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين والمتخصصين في الحركة الصهيونية.
ومن أهم أعماله موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين.