الوجه القبيح للاحتلال
الوجه القبيح للاحتلال
مع بداية عام 1949 وانتهاء عملية التطهير العرقي من حيث الجوهر، لم تنتهِ معاناة الفلسطينيين، إذ أمضى نحو 8000 شخص العام بأكمله في المعتقلات، وتعرَّض آخرون للمضايقة بشتى الطرق تحت الحكم العسكري المفروض عليهم من إسرائيل، وكان مألوفًا في الريف الفلسطيني، رؤية معتقلات ضخمة مُحتجز بها الذكور بين سني العاشرة والخمسين، بعد فرزهم في عمليات التفتيش والاعتقال الروتينية، والتي تتم بشكل منهجي، شاملة أنحاء الريف كافة.
في بداية الأمر، نظام الاعتقال كان مشوشًا وفوضويًّا، وفي تشرين الأول/أكتوبر 1948 أسس يغثيل يادين شبكة معسكرات اعتقال لينهي حالة الفوضى، أما عمليات الفرز والإعدامات السريعة، فكانت تنفَّذ دون محاكمة، تحت إشراف ضباط الاستخبارات الإسرائيلية، واستُغِلَّ السجناء سخرة بأمر من القيادة العسكرية الإسرائيلية، وأنشئت ثلاثة معسكرات ليقوم السجناء بأي عمل من شأنه تقوية الاقتصاد الإسرائيلي، وقدرات جيشه.
إحدى الجرائم الأخرى التي قامت بها قوات الاحتلال هي الاغتصاب؛ فعندما يُؤخذ الرجال إلى المعتقلات، تبقى نساؤهم تحت رحمة الإسرائيليين، وقد غطَّت الأرشيفات الإسرائيلية الحالات التي قُدِّم فيها المغتصبون للمحاكمة فقط، وكتب عنها بن غوريون في يومياته تحت عنوان فرعي باسم “حالات اغتصاب”، وروايات مرتكبي الجرائم وضحاياهم لا يمكننا الحصول منها على حقائق، لكنها ساعدت على كشف جرائم إنسانية مرعبة، حدثت أثناء حرب اليهود على فلسطين.
الفكرة من كتاب التطهير العرقي في فلسطين
بعد الهولوكوست، بات من المستحيل إخفاء جرائم شنيعة ضد الإنسانية، والآن في عالمنا المعاصر، ومع تكاثر وسائل الإعلام الإلكترونية وانتشارها، لم يعد في الإمكان إنكار كوارث من صنع البشر، أو إخفاؤها عن أعين الرأي العام، ورغم هذا فإن جريمة التطهير العرقي في فلسطين جرى محوها كليًّا من ذاكرة العالم، وحدث مصيري كهذا، وهو الأكثر أهمية في تاريخ فلسطين الحديث، أُنكر بصورة منهجية منذ وقوعه، وإلى الآن لم يُعترف به كحقيقة تاريخية، أو حتى جريمة يجب مواجهتها سياسيًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب التطهير العرقي في فلسطين
إيلان بابيه: أستاذ بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية لنفس الجامعة، كما أنه مؤرخ إسرائيلي بارز، وناشط اشتراكي، وينتمي إلى تيار المؤرخين الجدد، من أشهر أعماله “10 خرافات عن إسرائيل”، و”خارج الإطار”، و”أرض واحدة وشعبان”، و”الشرق الأوسط الحديث”، وتم دعمه من قبل بعض المؤرخين، وتعرض من جهة أخرى للكثير من النقد الإسرائيلي، وقبل مغادرته إسرائيل عام 2008 تمَّت إدانته من قبل الكنيست، وتلقَّى تهديدات عدة بالقتل، وظهرت صورته في إحدى الصحف بأنه مستهدف.