الفراغ
بين بني البشر والطبيعة قواسم مشتركة، منها ما هو من قبيل التكوين أو من قبيل السنن التي تسري وفقها، ومن ذلك قضية الفراغ، فالله (سبحانه وتعالى) فطر الأشياء والإنسان على النفور من الفراغ والشعور بالضيق والرغبة في ملئه بالنافع كان أم بالضار، المهم أنه شعور سيئ يسعى الجميع للتخلُّص من وطأته، وكثيرًا ما نسمع قول بعض الشباب: “تعالَ نُضيِّع بعض الوقت” رغبةً في التخلُّص من الفراغ؛
فالفراغ له تطبيقات أخرى غير تلك التي نعرفها على المستوى الفردي، فمثلًا حين لا يكون الوطن الذي يجمع شرائح متباينة من البشر تجمعها ثقافة ولغة ومعتقد واحد مشكلة هوية جماعية، حين لا يكون جذابًا ملبيًا لاحتياجاتهم محترمًا لحرياتهم بالقدر الكافي لا يهمِّش طائفة على حساب أخرى، يسعى المواطنون لملء ذلك الفراغ بالانتماء إلى أحزاب وتعصُّبات تملأ ذلك الفراغ لديهم، ومما يذكره الكاتب أيضًا رغبة الإنسان في فهم ما يجري حوله من ظواهر طبيعية كالزلازل والبراكين دفعته تلك الرغبة والتساؤلات عن هذه الظواهر قديمًا مع غياب المعرفة إلى ملء فراغ المعرفة بالخرافات والأساطير، كما ملأ خوفه وجهله من المستقبل بقراءة الكف والطالع! على الرغم من أن وجود الفراغ شيء طبيعي جدًّا على مختلف المستويات الحياتية، وبالتالي فإن الرغبة في ملئه طبيعية أيضًا لكن العبرة تكون بما يُملأ به هذا الفراغ فيتحوَّل من عبء إلى مصدر آخر للمعرفة والتطور والنمو.
أيضًا ليست الطبيعة والإنسان فقط من يكرهان الفراغ ويسعيان إلى ملئه، بل المبادئ والقيم أيضًا لا تستطيع أن تعمل في فراغ سواء فراغ سلوكي أو فراغ من ناحية المفاهيم، ولذلك نجد أن المبادئ تعمل في المجتمعات المتمسكة بها تمسُّكًا يصل إلى حد التقديس حتى وإن كانت تلك المبادئ من قبيل العادات والتقاليد الفاسدة ربما، فمثلًا مبدأ كمبدأ العدل مبدأ يحترمه كل الناس يقدِّسون من يعمل به وينادون بتحقيقه وإن لم يطبِّقوه، لكن حتى يعمل هذا المبدأ لن يكفيه أن يؤمن به الناس فقط، وإنما هناك عوامل أخرى تساعد على تفعيله، كتوافر قضاء عادل ونزيه وسريع أيضًا ووجود قدر من الثقافة القانونية لدى الناس وهكذا، بالتالي فإن أي مبدأ نريد تفعيله والاستفادة منه على مستوى التأثير الجماهيري لا بد أن نوفِّر له الظروف المناسبة لكي يعمل فيها.
الفكرة من كتاب هي.. هكذا: كيف نفهم الأشياء من حولنا/ الجزء الثاني
نستكمل في هذا الكتاب ثلاثين سنَّة أخرى من السنن المتعلقة بالإنسان والمجتمعات، بما عوَّدنا عليه الدكتور عبد الكريم بكار من اللغة السهلة والمعاني الواضحة.
مؤلف كتاب هي.. هكذا: كيف نفهم الأشياء من حولنا/ الجزء الثاني
الدكتور عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: مؤلف وداعية إسلامي، له العديد من الإسهامات في المجال التربوي والفكري وشارك في العديد من الصحف والمجلات وفي تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، إلى جانب إسهاماته الأدبية ودراساته الأكاديمية المتخصِّصة، ومن ذلك:
أثر القراءات السبع في تطوُّر التفكير اللغوي.
ابن عباس، مؤسس علوم العربية.
الصفوة من القواعد الإعرابية.