الشبه بين أمريكا قبل برنامج الإصلاح الجديد وأمريكا اليوم
الشبه بين أمريكا قبل برنامج الإصلاح الجديد وأمريكا اليوم
عندما أخذت اللامساواة تتصاعد في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقود الأخيرة، بدأ الاقتصاديون بالنظر إلى الخلف للاطلاع على جذور “الطبقة الوسطى” في أمريكا، فاكتشفوا أن الانتقال من اللامساواة في العصر المموَّه (1870 – 1890) إلى المساواة النسبيَّة في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، لم يكن تطورًا تدريجيًّا، بل إن مجتمع الطبقة الوسطى في أمريكا ما بعد الحرب قد خُلق خلقًا في مدة سنين قليلة فقط، بواسطة خطط سياسة إدارة الرئيس الأمريكي “فرانكلين روزفلت”، وبالتحديد عبر ضوابط الأجور في زمن الحرب، إذ تمَّ التوزيع المتساوي للدخل نسبيًّا، واستمر هذا الأمر أكثر من ثلاثين عامًا حتى عام 1980 لم يكن هناك أي ارتفاع كبير في اللامساواة في أمريكا، ما يعني أن استيلاء الجناح اليميني من الحزب الجمهوري الذي حدث في منتصف السبعينيات، يوحي إيحاءً قويًّا بأن التغيير السياسي المستقطب جاء أولًا ثم جاءت اللامساواة الاقتصادية تبعًا له.
اعتاد الاقتصاديون أن يعتقدوا أن التغيير التقاني (الذي يعتمد على العمَّال الحاصلين على تعليم أعلى) هو السبب الرئيس في صعود اللامساواة في أمريكا، لكن اضمحلَّ هذا الاعتقاد حين نظر الباحثون في البيانات نظرة أكثر إمعانًا، إذ وجدوا أن الأمريكيين المتعلمين تعليمًا عاليًا لم يحصلوا على مكاسب كبيرة في الدخل، بل كان الرابحون الكبار هم أعضاء من نخبة صغيرة جدًّا نسبتها واحد بالمئة أو أقل، ما يعني أن التقانة ليست هي السبب، بل التغيير السياسي هو قلب القصَّة.
إن أمريكا قبل برنامج الإصلاح الجديد (New Deal) الذي وضعه الرئيس فرانكلين روزفلت، كانت عبارة عن أرض اللامساواة الضخمة في الثروة والسلطة، إذ فشل فيها نظام سياسي ديمقراطي في أن يمثِّل المصالح الاقتصادية للأكثرية، إلى جانب السماح لنخبة غنيَّة أن تهيمن على الحياة السياسية ما أدَّى إلى انتشار فقر مدقع بين الأمريكيين، وهذا ما يتم مشاهدته في أمريكا في هذه الأيام، إذ يوجد عُسر مالي كاسح، وانقسام الأمريكيين مع المصالح الاقتصادية العامة وفق خطوط تتصل بالأعراق، والأجناس، والأديان، إلى جانب القبول غير النقدي للأيديولوجية المحافظة التي تحذِّر من أن أي محاولة لمساعدة أقل الناس حظًّا سوف تؤدي إلى كارثة اقتصادية!
الفكرة من كتاب ضمير ليبرالي
يبيِّن الكاتب في هذا الكتاب أن تاريخ اللامساواة في الولايات المتحدة الأمريكية راجع إلى خطط سياسية حكومية مستهدية بحركات سياسية منظَّمة، إذ وُجدت أطراف كانت تدافع عن اللامساواة مستغلة الانقسامات العرقية والثقافية لمصلحتها، ما أدى إلى تركيز الثروة في يد عدد قليل للغاية من الناس ما منع ظهور الطبقة الوسطى خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وظل الأمر على هذا الوضع حتى مجيء فرانكلين روزفلت رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، إذ قام بوضع برنامج إصلاحي (برنامج الإصلاح الجديد) أدى إلى تقليل فجوة الثروة والدخل، وظهور الطبقة الوسطى، وتقليص عدد الأغنياء عن طريق فرض الضرائب التصاعدية، وتأمين البطالة، والضمان الاجتماعي، فشهدت الولايات المتحدة الأمريكية بذلك فترة من رعاية الرفاهية العامة، إلا أنه مع بداية الستينيات ظهرت حركة المحافظين الجدد التي أرادت أن تخصخص المؤسسات التي أنشئت نتيجة برنامج الإصلاح الجديد، واستطاعوا أن يكوِّنوا قاعدة شعبية لهم، أدت في النهاية إلى انقراض الطبقة الوسطى تدريجيًّا، وتركيز الثروة في يد قلة قليلة من الناس.
مؤلف كتاب ضمير ليبرالي
بول كروغمان: هو اقتصادي أمريكي، وأستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، وكاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز، فاز بوسام “جون بيتس كلارك”، وهو أثمن جائزة تمنح للاقتصاديين الأمريكيين، وحاصل على نوبل في الاقتصاد عام 2008، يدرِّس علم الاقتصاد والعلاقات الدولية في جامعة برنستون الأمريكية.
معلومات عن المترجم:
محمد محمود التوبة: هو كاتب، ومترجم فلسطيني، من ترجماته:
انتحار الغرب.
سرقة التاريخ.
طريق الصين.