بيتٌ مُبارك
بيتٌ مُبارك
كانت الرُّميصاء حريصة دائمًا على التبرُّك بالنبي (صلى الله عليه وسلم)، فحين وضعت طفلها في غزوة حُنين ولم يستطع على أثرها أبو طلحة الخروج مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)، أخبرت أنس بألا يُرضعه أحد حتى يحمله إلى رسول الله أولًا، وبالفعل ذهب به إليه وقال: “جئت به فوضعته في حجره، ودعا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعجوة من عجوة المدينة، فلاكها في فِيّه حتى ذابت، ثم قذفها في فِيّ الصبي، فجعل الصبي يتلمَّظها”، ثم مسح وجهه وسمَّاه عبد الله، وكانت قبلها بتسعة أشهر توفي ابنها أبو عمير التي صبرت عليه واحتسبت لله هي وزوجها وكانت خير النساء في الصبر وفي حمل هذا الخبر المُفجع لزوجها، فرزقهم الله البشرى في ليلتها وحملت، وقد دعا لها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقال “بارك الله لكما في غابر ليلتكما”.
وقد رزق الله الرُّميصاء البركة في جميع منعطفات حياتها حتى زواجها، وكانت حريصة أيضًا على أن تُرزق بركة الدعاء من النبي لها ولأولادها، فكانت تطلبه من النبي مرارًا وتكرارًا الدعاء وتخصيصه لابنها، لينال بركة دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، ورُزِقت البركة في الطعام، فقد صنعت يومًا حساءً وأرسلته مع أنس إلى رسول الله وكان يكفي القليل من الناس، لكن حين سُئل أنس بعدها عن عدد من أكلوا منه، ذكر أنه ما يقرب من ثلاثمائة شخص، وهذا لأن الدعاء مبارك بدعاء النبي لأم سُليم، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) “البركة من الله”، وكانت تجمع عرق النبي (صلى الله عليه وسلم) وحين سألها النبي عن السبب قالت “هذا عرقك نجعله في طِيبنا… ونرجو بركته لصبياننا”، وقد أرسلت إلى النبي وعاء سمن مع جارية، وعادت الجارية لها حاملة لوعاء السمن ممتلئًا حتى قاربت على تكذيب الجارية، فتعجَّبت وعادت تسأل النبي، فقال لها: “يا أم سليم إن كان الله أطعمك كما أطعمتِ نبيَّه؛ كُلي وأطعِمي”، وظل الوعاء يكفيهم لشهر أو شهرين تقريبًا.
الفكرة من كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
أعظم ما في التاريخ أنه يُخلِّد أفعال وأقوال الأشخاص ولا يترك أعمالهم تذهب هباءً، بل تظل قناديل نهتدي بها في المسير، وجاءت السيرة النبوية بشكل خاص لتكون هُدى نهتدي به في الحياة بعد القرآن الكريم، ولم تترك السيرة جانب المرأة الذي هو جانب بنَّاء لأمة بأكملها، فتجد المرأة أدوارها لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهي زوجة وابنة وأم وأخت ومعلمة وغيرها، وكل أدوارها تبني وتعمر وتربي، المرأة فُطرت بفطرة عجيبة من الله (عز وجل) قادرة على القيام بالعديد من الأعمال في آنٍ واحدٍ دون كلل منها أو ملل، تهتم بالصغير وترعى الكبير وتطبخ وتنظف وتعمل وتتعلم دون شكوى أو إهمال، وأجلُّ القدوات التي نهتدي بها في طريقنا هنَّ نساء النبي والصحابة، فهُنَّ نوع فريد وخاص من النساء، فمنهن من قاتلت في سبيل الله ومن صبرت وعُذِّبت لله، ومن ربَّت أعظم الصحابة وهكذا، تعدَّدت أدوارهن لكنهن تميزن ببذلٍ وحبٍّ لله، وفي كتابنا هذا يعرض الكاتب قدوة من أعظم القدوات النسائية وكيف بذلت في سبيل الله كأم وزوجة وسيدة مسلمة، وضُرب بها المثل كقدوة صالحة وبُشرت بالجنة من النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
الدكتور محمد حشمت: باحث وكاتب ومُحاضر، وباحث دكتوراه، وحاصل على ماجستير في العقيدة، وليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وله عدة مؤلفات: “نظرية الدين والتدين”، و”الفهم والوهم”، و”أضغاث أوهام”، و”قراءة في أفكار عبد الجواد ياسين”، و”كعب بن مالك في ظلال التربية النبوية”، و”الرميصاء ظلال التربية النبوية”، و”جابر بن عبد الله ظلال التربية النبوية”.