رُّميصاء الأم
رُّميصاء الأم
كانت الرُّميصاء نموذج أم سويًّا صالحًا، فحين قُتل زوجها مالك صبرت وعزمت على تربية ابنها، وألزمت نفسها بأنه “لا أفطم أنسًا حتى يدع الثَّدي؛ ولا أتزوَّج حتى يأمرني أنس”، وبالفعل حين خُطِبت من أبي طلحة أخبرته بما ألزمت نفسها به، وأنها لن تتزوَّج حتى يبلغ أنس، حتى يقول عنها: “جزى الله أمي عني خيرًا، لقد أحسنت ولايتي”، فأجابها أبو طلحة الآن قد جلس أنسٌ وتكلَّم، فقالت يا أنس: قُم فزَوِّج أمك”، وبالفعل مضت بهم الحياة وتزوَّجا ليبنيا بيتًا مسلمًا صادقًا، ولأنها كانت عازمة على بناء بيت مسلم نبوي من بداية اختيارها لزوجها لم تنسَ أبناءها من ذلك فيحكي أنس (رضي الله عنه): “قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة، وأنا يومئذٍ ابن ثماني سنين، فذهبت بي أمي إليه، (وقد أزَّرتني بنصف خمارها، ورَدَّتني بنصفه)، فقالت: يا رسول الله إن رجال الأنصار، ونساءهم قد أتحفوك غيري، وإني لم أجد ما أتحفك به إلا بُنيَّ هذا، فاقبله مني يخدمك ما بدا لك، (هذا أنيس ابني، أتيتك به يخدمك فادع الله له، فقال (اللهم أكثر ماله وولده)”، وهذا يدل على مدى عِظم وبركة هذه الأم في إهداء الأقرب إلى قلبها لنبي الله، ومدى حرصها على أن يُربَّى تربية نبوية ودينية ولم تنسَ أن تسأل رسول الله الدعاء لينال نعيم الدنيا والآخرة.
وجاء في بعض الروايات أن أم سُليم حين قدمت ابنها للنبي (صلى الله عليه وسلم) قالت “هذا أنس ابني غلامٌ لبيبٌ كاتِب”، ولو صَحَّ أنه كان يُجيد الكتابة والقراءة بالفعل في هذا الزمن فهذا بذاته يدلُّ على مدى حرص ووعي هذه الأم، وتَعلم ما يميز ابنها لوصفها إياه باللبيب، وأيضًا أعدَّته لتنتهز الفرصة المناسبة ليكون على قدر مناسب ليخدم رسول الله، وقد قال عنه سيدنا عمر لسيدنا أبي بكر، حين أراد أن يبعثه إلى البحرين: “ابعثه فإنه لبيبٌ كاتِب”، وهذا يُصدِّق على الرواية الأولى بما يُعرَف عن لبابة أنس ومهاراته الكتابية.
الفكرة من كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
أعظم ما في التاريخ أنه يُخلِّد أفعال وأقوال الأشخاص ولا يترك أعمالهم تذهب هباءً، بل تظل قناديل نهتدي بها في المسير، وجاءت السيرة النبوية بشكل خاص لتكون هُدى نهتدي به في الحياة بعد القرآن الكريم، ولم تترك السيرة جانب المرأة الذي هو جانب بنَّاء لأمة بأكملها، فتجد المرأة أدوارها لا تُعدُّ ولا تُحصى، فهي زوجة وابنة وأم وأخت ومعلمة وغيرها، وكل أدوارها تبني وتعمر وتربي، المرأة فُطرت بفطرة عجيبة من الله (عز وجل) قادرة على القيام بالعديد من الأعمال في آنٍ واحدٍ دون كلل منها أو ملل، تهتم بالصغير وترعى الكبير وتطبخ وتنظف وتعمل وتتعلم دون شكوى أو إهمال، وأجلُّ القدوات التي نهتدي بها في طريقنا هنَّ نساء النبي والصحابة، فهُنَّ نوع فريد وخاص من النساء، فمنهن من قاتلت في سبيل الله ومن صبرت وعُذِّبت لله، ومن ربَّت أعظم الصحابة وهكذا، تعدَّدت أدوارهن لكنهن تميزن ببذلٍ وحبٍّ لله، وفي كتابنا هذا يعرض الكاتب قدوة من أعظم القدوات النسائية وكيف بذلت في سبيل الله كأم وزوجة وسيدة مسلمة، وضُرب بها المثل كقدوة صالحة وبُشرت بالجنة من النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرُّميصاء في ظلال التربية النبوية
الدكتور محمد حشمت: باحث وكاتب ومُحاضر، وباحث دكتوراه، وحاصل على ماجستير في العقيدة، وليسانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وله عدة مؤلفات: “نظرية الدين والتدين”، و”الفهم والوهم”، و”أضغاث أوهام”، و”قراءة في أفكار عبد الجواد ياسين”، و”كعب بن مالك في ظلال التربية النبوية”، و”الرميصاء ظلال التربية النبوية”، و”جابر بن عبد الله ظلال التربية النبوية”.