الاستبداد وتدمير الأخلاق
الاستبداد وتدمير الأخلاق
الاستبداد يفسد أغلب الأخلاق الحسنة فيضعفها أو يمحوها، فيجعل الإنسان غيرَ حامدٍ على نعمه وحاقدًا على قومه لأنهم عونٌ لبلاء الاستبداد، وفاقدًا حب وطنه لأنه غير آمن فيه، ولا يحب عائلته لأنه ليس مطمئنًا على دوام علاقته معهم، وقد يصل الضرر إلى فقدان القدرة على التمييز العقلي بين الخير والشرِّ.
ومما يفعله الاستبداد بالأخلاق أنه يُعين الأشرار على شرِّهم، ويؤمنهم من سوء العواقب، فلا اعتراض ولا انتقاد لهم على أفعالهم، لأن أكثر أعمالهم تبقى مستورة بخوف الناس من أن ينالهم شرهم، ولهذا مشهور في الأثر “البلاء موكل بالمنطق”، والبلاء هنا هو أن ينالهم الأذى والشر، والمنطق هو النُطق بفسادهم أو حتى الإشارة إليه.
إن فساد الأخلاق يجعل الأممَ غيرَ قابلةٍ للخطاب؛ فالفساد يبدأ من بيت المستبدّ وحاشيته ثم يصيب كل العوام كالعدوى، وبالطبع لا يوجد أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر فذلك جريمة في قوانين المستبدين، فالأمر يشبه المرض الذي لا تملك له علاجًا أو وقايةً منه فتسوء الحال يومًا بعد يوم.
ويشير الكاتب إلى تلك الأصوات التي تحصر الانحطاط السياسي في تهاون الرعية بأمور دينها، ولا تعتقد مخرجًا إلا التمسك بعروة الدين -يقصدون العبادة-، ولكن هذا الاعتقاد لا يفيد وذلك لأن الدين بذرة جيدة لا شبهة فيها فإذا صادفت أرضًا طيبة نبَتت ونمَت، فإذا أخذْت تفسير قول الله عز وجل ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ﴾ بالمعنى الحرفيّ وتواكلت فهذا خطأ، بل يجب أن تلتمس ذلك -النهي عن الفحشاء والمنكر- وتطلبه من خلال إحياء العلم وإحياء الهمة، مع الاستعانة بالدين والاستفادة منه، فهنا بداية الإصلاح الأخلاقي الحقيقي.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.