الاستبداد والعلم في علاقة عكسية
الاستبداد والعلم في علاقة عكسية
لا يخفى على المستبد مهما كان غبيًّا أنه لا استعباد ولا اعتساف إلا ما دامت الرعية حمقاء في ظلام الجهل، فالعلم نور يوضح الخير ويفضح الشر ويبدد الظلام، والمتأمل يرى أن كل سلطة تقوى وتضعف بنسبة نقصان وزيادة علم المرؤوسين.
فالمستبد لا يخشى علوم اللغة، ولا العلوم الدينية المختصة فيما بين الإنسان وربه لأنها لا تزيل غشاوة الاستبداد، لكن الذي يرعب المستبد هو علوم الحياة مثل الحكمة والفلسفة وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع والسياسة المدنية وغيرها من العلوم التي تفضح ظلمه وقهره، وخوف المستبد بالأخص إنما يكون من الذين يندفعون لتعليم الناس.
إن الاستبداد والعلم ضدّان لا يجتمعان، فالغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم وينكّلون بهم، والسعيد منهم من يتمكن من مهاجرة دياره، ولهذا تجد أن كل الأدباء وأكثر العلماء تقلبوا في البلاد وماتوا غرباء، فقد قال المدققون: “إن أخوف ما يخافه المستبدون الغربيون من العلم أن يعرف الناس حقيقة أن الحرية أفضل من الحياة، وأن يعرفوا النفس وعزّها، والشرف ومكانته، والحقوق كيف تُحفظ، والظلم كيف يُرفع، ويتعلموا عن الإنسانية والرحمة؛ فالحاصل أنه ما انتشر نور العلم في أمّة إلا وتحررت من قيود الاستعباد”.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.