فكِّر كعالِم فنَّان
فكِّر كعالِم فنَّان
التفكير العلمي يُشكل أساس عمل الباحثين، ولا بد منه في كل مهمة يؤدونها مثل تصميم التجارب، وكتابة التقارير، وغيرها. وهذا النمط من التفكير ربما يكتسب المرء قدرًا منه من والديه أومعلميه، لكن حين يقرر أحدهم أن يسلك طريق البحث العلمي فلا بد أن يكون جزءًا مقصودًا من برنامجه التدريبي أو التعليمي، ومع الوقت يمكن أن يصبح هو نمط التفكير المعتاد.
لتفكير العلماء سِمات عديدة، منها أن له منطقًا خاصًا ليس فيه مطلق وإنما احتمالات ترجحها التجارب، وأن فيه مساراتٍ مختلفة؛ فقد يبدأ العمل من فروض إلى تجارب تختبر صحتها أو من تجارب اكتشافية نصل بها إلى الفروض كما حدث مع تجارب وصف الجينوم البشري، كما أن طرق جمع البيانات وطبيعتها تحدد نتاجه لذا لا بد من عناية بها في الاختيار والتحليل، ولا بد من وعي جيد بالفرق بين الربط correlation والسببية العلمية caustion فكثير مما يظنه الناس سببًا قد يكون مبنيًا على ارتباط وهمي، ونجد الباحثين ذوي الخبرة قادرين على عمل ارتباطات صحيحة، بينما ينظر الباحثون الجدد إلى المشكلات بشكل مختلف يفتح أبوابًا جديدة، وإن كان للتفكير العلمي قواعد متفق عليها يتعلمها الناس فلا بد من مرونة في تطبيقها، ويكون التفكير العلمي في أبهى صوره حين تكسوه صبغة شخصية ابتكارية ويُضاف إليه خيال الباحث.
يشكل التفكير العلمي تحديًا للباحث ودعوة للابتكار بحريةٍ في آن واحد، ولمواجهة التحدي واستثمار الحرية ينبغي له أن يتعلم القواعد، وأن يكون واعيًا بالصورة الكاملة لمجاله العلمي والصورة الكبرى للعلوم ليعرف محل بحثه وفروضه في تلك الصورة، وأن يتسم بالدقة في التفكير والعمل، وبالقدرة على التبسيط، وبالنقد البناء، وبتقدير خاص للجمال الكامن في الأفكار الجديدة والتجارب المتقنة.
والعالم فنان، وإن رأى الناس تضادًّا بينهما بربطهم العلم بالدقة والموضوعية، والفن بالحرية، فإن البحث العلمي يتطلب مع قواعده حدسًا ودوافع ومهاراتٍ استكشافية وإلا ما رأينا اكتشافات مهمة مثل اكتشافات نيوتن وأينشتاين وغيرهما، في العلم والفن كليهما بهجة وجمال، ولا يكون الابتكار خالصًا وإنما يبنى على معرفة جهود السابقين، ولا تكفي الموهبة الفطرية وحدها بل يكون معها دراسة وممارسة، وإتقان القواعد يمكن الباحث والفنان من تشكيل أسلوب خاص، وكلاهما يشعر دائمًا بأن عمله لم يصل إلى الصورة المثلى.
الفكرة من كتاب كيف تصبح باحثًا علميًّا متميزًا؟
هل أنت شخص مناسب للعمل في مهنة البحث العلمي؟ كيف تفكر كعالم؟ وكيف يتشابه العلم والفن؟ كيف تعرض مشروعك البحثي؟ وكيف هي علاقة العالِم بالمجتمع في عصرنا؟ ما التحديات والمكافآت التي تنتظر الباحثين؟ هذا ما نعرفه مع هذا الكتاب…
مؤلف كتاب كيف تصبح باحثًا علميًّا متميزًا؟
فيليب أ. شوارتزكروين، باحث وعالم أعصاب، رائد في مجال البحث العلمي بما له من خبرةٍ تزيد على 40 عامًا شارك خلالها في أكثر من 200 بحث علمي، نال درجاته العلمية من جامعتي هارفرد وستانفورد، ودرَّس في جامعة ستانفورد وجامعة واشنطن وجامعة كاليفورنيا – ديفيس، وأسَّس مركز علم الأعصاب بها، وتقلَّد مناصب علمية عديدة فكان رئيس الجمعية الأمريكية للصرع، وعضوًا في الاتحاد الدولي لمقاومة الصرع، ومحررًا مشاركًا للدورية العلمية الدولية في مجال النوبات العصبية، وقد فاز بعدد من الجوائز تقديرًا لإسهاماته البحثية.
معلومات عن المترجم:
محمد حماد هندي: حصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من جامعة المنيا عام 1985، ثم حصل على ماجستير التربية من نفس الجامعة في عام 1989، ثم نال دكتوراه الفلسفة في التربية من جامعة ولاية ميشيغان بالولايات المتحدة عام 1997، درَّس في جامعة المنيا وجامعة أبوظبي وجامعة بني سويف، وهو حاليًّا عميد كلية التربية بجامعة بني سويف (2021).
من مؤلفاته: “التعلم النشط – اهتمام تربوي حديث قديم”، و”مهارات الدراسة والمذاكرة”، ومن ترجماته كتيب بعنوان “تبسيط العلوم”.