المعرِّي وخصومه
المعرِّي وخصومه
حاول المعري مرارًا، في ديوانه وفي مؤلفات منفصلة، شرحَ أن الإفصاح لا يعني بالضرورة الوضوح والشفافية، وأن الكلام مبنيٌّ على الغموض والإبهام، خصوصًا وهو يتكوَّن من عبارات مجازية لا يجوز فهمها بالمعنى الحرفي، ألم تسمع قوله: “نقول على المجاز وقد علمنا.. بأن الأمر ليس كما نقول” وتجده ينبه من سيحاول حملَ كلامه على الحقيقة وبالتالي يساء فهمُه، يقول: “وليس على الحقائق كلُّ قولي.. ولكنْ فيه أصناف المجاز”.
هذا التأكيد المتتابع على المجاز في أبيات الديوان يدل على أن المعري يحترس من سوء الفهم، لكن ذلك لم يكن كافيًا، فانبرى للدفاع عن نفسه في كتابه “زجر النابح” الذي رد فيه اتهامات خصومه وشرح الأبيات الملتبسة من ديوان اللزوم وبين مقاصده فيه، بمنطق لا يدع مجالًا للشك عند سليم الفهم كما يرى الكاتب.
هل كان ذلك كافيًا لخصوم المعري؟ لا، يؤكد ابن العديم أن بيان المعرِّي لم يكف لإقناع خصومه، بل ظلوا متمسكين بالطعن فيه والتشنيع عليه وعلى كل من انتصر له، ويرى ابن العديم أيضًا أن المعري بما امتاز به من علم ولغة ونفاذ إلى دقيق المعاني، قد أغاظ معاصريه، وأنهم وجدوا في ما ضمَّته كتبه من المعاني الغريبة الطريقَ إلى تحريف كلامه واتهامه بما لم يقصده.
يعتقد المعرِّي أن القول لا يعبِّر بالضرورة عن اعتقاد القائل، فقد يتحدث إنسان بالكفر ويضمر الإيمان، وأن اللسان قد يتعارض مع ما تضمرُه الطوية، ومن حقنا أن نسأل المعرِّي: كيف سنفطن إلى ذلك؟ كيف ندرك المسافة بين ما ينطقه اللسان وما تخفيه النفس؟ هل ينبغي لنا التفكُّر في ما وراء كل كلمة منطوقة؟ من يطيق ذلك؟ ولقد تنبَّه إلى هذا العلامة ابن عقيل واتهم المعرِّي بقصور العقل، لما جرَّه على نفسه من شبهات بسبب أقواله، ولادعائه أنه وإن أظهر الكفر فهو يضمر الإيمان، فما كان أغناه عن ذلك وهو يعيش في ديار الإسلام لا ديار الكفر.
الفكرة من كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول
تتبَّع المؤلف في هذا الكتاب بعض المحطات في رحلة الأديب الألمعي والشاعر المشهور، الملقب بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعرِّي.
إن المعرِّي أشهر من أن يُعرَّف، فهو من سار بذكره الركبان، وطبقت شهرته الآفاق وكثرت أخباره وتفاصيل أحواله، من قال عن نفسه: “وإنــي وإن كــنــتُ الأخــيـرَ زمـانُهُ.. لآتٍ بــمــا لم تَــسْــتَـطِـعْهُ الأوائل”، لكن هذه الأخبار بحاجة إلى من يمحِّصها بعين الناقد الثاقب والأديب الواعي، وهذا الكتاب يحاول مد يد العون لكل من حاول السير في متاهات أبي العلاء المعري.
مؤلف كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول
عبد الفتاح كيليطو، أديب وكاتب مغربي، ولد في عام 1945م، يعمل أستاذًا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ويعد من أشهر نقاد الأدب واللغة المغاربة في العصر الحديث، وهو يكتب بالعربية والفرنسية، من أشهر مؤلفاته: “جدل اللغات”، و”لن تتكلم لغتي”، و”من شرفة ابن رشد”، وغيرها، وتُرجِمت أعماله إلى عدة لغات.