فبذلك فليفرحوا
فبذلك فليفرحوا
إن صاحب القُرآن قد تذوق لذة تلك الصحبة وذلك الأُنس، وأدرك بكل قلبه أنه لا خير في هذه الحياة إلا بالقُرآن، وفي هذا موقف لسيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في خلافته، حين قدم له خراج العراق فجعل يعدُّ الإبل، فإذا هو كثير، فأخذ يقول: الحمد لله، فقال له مولاه: يا أمير المؤمنين هذا والله من فضل الله ورحمته، فبذلك فليفرحوا، فقال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): كذبت، ليس هذا هو! يقول الله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾، أي بالهدى والسنة والقرآن فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون، وهذا مما تجمعون، فالفرح الحقيقي هو الفرح بطاعة الله وبفضله.
هكذا ينظر الصادقون إلى كل نعيم الدنيا أمام نعيم القُرآن، فالفرح غير حقيقي فيما سوى القُرآن، فإن القُرآن أعظم مفروحٍ به، لأنه كلام الله، والمؤمن يفرح بكلام ربه إليه، فكلام الله أعظم من المال والملك والولد، ومن آثار ذلك الفرح هو المزيد من الإقبال على القُرآن، والمزيد من العلم به والتفقُّه في معانيه.
وقد خاب وخسر من رزقه الله القُرآن ثم أعرض عنه ولم يشكر نعمة الله عليه، بل أعرض ونسي، وقد ذم العُلماء كل من كان له حظ من القُرآن ثم نام عنه ولم يقم به الليل، فها هو الإمام الطبري يسأل الحسن البصري (رحمهما الله) قائلًا: “يا أبا سعيد! ما تقول في رجل قد استظهر القُرآن كله عن ظهر قلبه، فلا يقوم به، إنما يُصلي المكتوبة؟ قال: يتوسد القُرآن، لعن الله ذلك”.
فنعمة القُرآن تستوجب الشكر، وكان من الشكر العمل بالقرآن، ومنه القيام في جوف الليل، لذا يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “يا أَهلَ القُرآنِ، أَوتِروا؛ فإنَّ اللهَ وِترٌ يُحِبُّ الوِترَ”، ويقول الله تعالى في وصف العبد القائم بالقرآن ليلًا: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
الفكرة من كتاب مشارق الآي
إن شروق الشمس على الأرض يبعث الدفء والنور، ويجعل القلوب مسرورة لرؤية هذا الجمال، وهذا الشروق الأرضي له أثره الطيب الملموس، فما بالنا بشروق سماوي على القلوب؟ ماذا يحدث للقلب إن أشرقت عليه آيات الله، ففهمها واستخلص معناها، كيف يكون الجلال الحاصل؟ حين تشرق الآيات في القلوب فإنها تشع بأنوارها على الجوارح، فيكون المسلم قُرآنيًّا سمتًا وسلوكًا، فيكون نعم العبد!
وفي كتاب “مشارق الآي” يُقدم لنا الدكتور عبد اللطيف التويجري بعض الإشراقات لآيات القُرآن الكريم، ليُدرك القلب أن الذي غاب عن القُرآن قد فاته مشارق كثيرة.
مؤلف كتاب مشارق الآي
عبد اللطيف بن عبد الله التويجري: كاتب وداعية سعودي، حصل على الدكتوراه من كلية أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، له عددٌ من المقالات التربوية والدعوية، بجانب العديد من الخُطب المسموعة.
ومن أبرز مؤلفاته:
قلائد الذكرى.
تدبر القرآن الكريم.
تتبع الرخص بين الشرع والواقع.