أشياء بسيطة لكنها جليلة
أشياء بسيطة لكنها جليلة
إن من دلالات مكانة المرء في قلب صاحبه، ألَّا يكون اهتمامه مباشرًا فقط، بل يتضح حتى في التفاصيل الخفيفة التي قد تمر بشكل غير ملحوظ، ولأن مكانة عائشة (رضي الله عنها) في قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عظيمة، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لها: إنِّي لأعلمُ إذا كنتِ عنِّي راضيةً، وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى، فقالت (رضي الله عنها): مِن أين تَعْرف ذلك؟ فقال لها النبي (صلى الله عليه وسلم): أمَّا إذا كنتِ عني راضيةً، فإنكِ تقولين: لا وربِّ محمد، وإذا كنتِ عليَّ غَضبى، قلتِ: لا وربِّ إبراهيم، فتقول الصدِّيقة لرسول الله: أجل والله يا رسول الله، ما أهْجُرُ إلَّا اسمَك!
وفي معنى قولها “ما أهجر إلا اسمك” يقول الطِّيبيُّ: “هذا الحصر لطيف جدًّا، لأنها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العقل اختياره لا تتغيَّر عن المحبَّة المستقرة، فهو كما قيل:
إنِّي لأمنحك الصدودَ وإنَّني قسمًا إليك مع الصدود لأمْيَلُ
وقد كانت (رضي الله عنها) في خدمة رسول الله، تهتم لأموره، فقد كانت تُمشِّط شعر النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكانت تُطيِّب إحرامه، وكانت ترقيه فتضع يدها على صدره الشريف، وتقول: امسح البأس رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت.
وحينما نزلت الآية الكريمة ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ بدأ رسول الله بعائشة (رضي الله عنها)، وقال لها: يا عَائِشَةُ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَلَّا تَعْجَلِي فيه حتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ، فقالَتْ (رضي الله عنها): وَما هو يا رَسولَ اللهِ؟ فتلا عليها الآية، فقالَتْ: أَفِيكَ يا رَسولَ اللهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللهَ وَرَسولَهُ، وَالدَّارَ الآخِرَةَ!
الفكرة من كتاب المُبرأة عائشة حبيبة حبيب الله
قد يهرب الإنسان إلى كثيرٍ من الأشياء ليخرج قليلًا من شدَّة الحياة، ولكن أجمل هؤلاء الذين يهربون إلى أشياء تدفعهم مرَّة أُخرى إلى الحياة، تدفعهم بلهفةٍ وشوق، تدفعهم بكُل حُبٍّ وعطاء، بكل اطمئنان وسرور، وأكثر الأمور التي تُعيد إلى الإنسان تلك الروح، أن يحيا بين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابتِه، والأجمل أن يشعر بدفء بيت رسول الله، أن يحيا مع قلب أمِّه عائشة (رضي الله عنها)، فيعرفها قبل أن يراها، ويعرف كيف كانت (رضي الله عنها) تملأ حياة رسول الله بالجمال والبساطة، وكيف كانت لها (رضي الله عنها) تلك المكانة الجليلة في قلب رسول الله.
مع كتابنا ننطلق معًا في زيارة لأمِّنا عائشة (رضي الله عنها) لنعرف المزيد عنها، وعن حياتها مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب المُبرأة عائشة حبيبة حبيب الله
مؤيد عبد الفتاح حمدان: أستاذ الفقه الحنفي في جامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومن مؤلفاته: “القرآن الصاحب الوفي”، و”أوراد أهل السنة والجماعة”، و”رمضان كما عاشه النبي”.