حضارتنا الإنسانية
حضارتنا الإنسانية
تظهر هذه السمة بجلاء في شتى مبادئ الإسلام وتشريعاته النظرية والعملية، حيث أعلن القرآن الكريم مبدأ المساواة العنصرية بين الناس جميعًا من غير النظر إلى ألوانهم أو أجناسهم، فنقلت الإنسانية من أجواء الحقد والكراهية إلى أجواء الحب والتعاون والتساوي أمام الله، وأن الكرامة الإنسانية مكفولة للناس جميعًا بقطع النظر عن أديانهم، وقد زخرت كتب التاريخ والسير بوقائع كثيرة، فهذا أبو ذر تغاضب مع بلال الأسود الحبشي حتى عيَّره قائلًا: “يا ابن السوداء!”، فشكاه بلال إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لأبي ذر: “أعيَّرته بأمه؟ إنك امرؤٌ فيك جاهلية!”، فندم أبو ذر حتى أمر بلالًا أن يطأ وجهه مبالغة في الندم.
وأما في مجال التسامح الديني والنظر إلى المخالف فقد أعلنت حضارتنا الإسلامية مبدأ الإنصاف فكان الأطباء المسيحيون في العهدين الأموي والعباسي محل الرعاية لدى الخلفاء، كما قد طالت هذه الحظوة الشعراء والأدباء، فكان الأخطل، أحد شعراء العهد الأموي، يدخل على عبدالملك دون إذن وهو مرتدٍ عباءة من الحرير عليها تعويذة، يتدلَّى من عنقه صليب ذهبي والخمر تقطر من لحيته، وكانت الوظائف تعطى للمستحق الكفء بقطع النظر عن عقيدته ومذهبه، وكان الخلفاء والأمراء والناس يصادقون من تروق لهم مصادقتهم بقطع النظر عن دياناتهم، إن هذا التسامح لم تعرفه حضارة قط من قبل مما دعا كثيرًا من منصفي الغرب إلى الاعتراف بأن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم.
الفكرة من كتاب من روائع حضارتنا
في هذا الكتاب يعرض المؤلف نماذج رائعة، وصورًا مشرقة لبعض روائع حضارتنا الإسلامية، وما امتازت به عن سائر الحضارات قاطبة، فما أسباب تميُّزها وقيامها وكيف كانت أخلاقنا الحربية؟ كالرفق بالحيوان، والمؤسسات الخيرية، والمكتبات والصروح العلمية، والعواصم والمدن الكبرى، فلننظر ولنتأمَّل في هذه الروائع عسى أن يخطَّ الجيل الجديد من أبناء هذه الأمة صفحات مشرقة في التاريخ، وأن يبعث الله في هذه الأمة من يجدِّد لها دينها وحضارتها.
مؤلف كتاب من روائع حضارتنا
الشيخ الدكتور مصطفى حسني السباعي: ولد في مدينة حمص بسوريا عام 1915، وقد نشأ في أسرة علمية واشتهر والده وأجداده بالخطابة في جامع حمص، تأثر بوالده الشيخ حسني السباعي الذي كانت له مواقف معروفة ضد الاستعمار الفرنسي، درس في الأزهر بمصر عام 1933، من مؤلفاته: “السنة ومكانتها في التشريع”، و”اشتراكية الإسلام”، و”عظماؤنا في التاريخ”، وغيرها من الكتب التي تجمع بين إقناع العقل وإمتاع القلب.