العوامل الجديدة للتاريخ
العوامل الجديدة للتاريخ
تاريخ الأمم ليس شيئًا جامدًا ولا يسير على وتيرة واحدة، لذا تعدَّدت العوامل الرئيسة المحركة للتاريخ، فالعالم إلى وقت قريب كان يترنَّح ما بين آلهة دينية وأحزاب سياسية وجماعات عرقية، واقتصر أثر الثورات والحروب في الغالب على تغيير الأسماء ليس إلا، غير أن العامل الاقتصادي اليوم نجده المحرك الأساسي للنشاط البشري والمسؤول الأول عن التغيرات الجوهرية التي ألمَّت بالكثير من الشعوب، فالاتحاد الذي نشأ بين العمل ورأس المال أسهم بدوره في توزيع الدخول والثروات بطريقة جذرية.
وإذا كان الانقلاب الحادث في طبيعة البلدان ومراكز الثقل العالمي مردُّه إلى الاكتشافات العلمية وما أنتجته من تحوُّلات اقتصادية كبيرة، نجد أن الدول التي استطاعت أن تتكيَّف مع مقتضيات عصر الانفتاح التجاري وما تبعه من انتشار ظاهرة العولمة استطاعت أن تحرز قصب السبق في سباق التقدم، وأن تخاطب العالم بلهجة السيد المطاع، فهي لا تخشى أحدًا في الوقت الذي أصبح فيه الجميع يخشاها، ومن هنا زادت الهوَّة بين دول العالم الجديد ودول العالم القديم الذي ما زال يتعثَّر في أذيال التخلُّف والتبعية المقيتة.
وبما أن الأمم اليوم مثقلة بالكثير من القيود الناتجة عن ضرورات التأقلم مع العالم الحديث والعديد من الحواجز المجتمعية التي يتعذَّر اقتحامها، فمن تأمَّل التاريخ يعلم أن الحضارات تعاني سنن الولادة والنمو ثم الانحطاط والموت، فهي تذبل ثم تزول بعد ازدهار لتدفن تحت غبار الزمن، فما إن تتصدَّر أمة من الأمم المشهد وتبسط نفوذها على العالم أجمع إلا ويتجمَّع عليها ضحاياها من الدول الأخرى نتيجة الأحقاد المتأصلة، فما تلبث بذلك أن تفقد هيمنتها لصالح لاعب جديد، فكما حدث هذا الأمر مع الإمبراطوريات السابقة ستتجرع الولايات المتحدة الأمريكية نفس الكأس عاجلًا أو آجلًا، فتلك سنة تاريخية مضطردة.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”سيكولوجية الجماهير”.
معلومات عن المترجم:
عادل زعيتر: مترجم ومفكر فلسطيني، وُلد في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1895م، تخرج في كلية الحقوق في باريس عام 1925، عمل محاميًّا لفترة ثم أصبح عضوًا بالمجمع العلمي العراقي، وله العديد من الترجمات المهمة لمؤلفين كبار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغوستاف لوبون، وتوفي عام 1957م