الاستقراء التاريخي
الاستقراء التاريخي
يتكوَّن تاريخ الأمم من سجل حافل بالأحداث والوقائع، كما يمتاز كذلك بالتطور والتجدد المستمر كموجات البحر المتتابعة، فمن إنسان بدائي محدود الذكاء مُسيَّر بقسوة الهمجي إلى إنسان الإنترنت والمعلومات، ومن الطبيعي أن تصاحب تلك الموجات من التطور تحوُّلات اجتماعية تختلف باختلاف البناء النفسي لكل أمة، ذلك أن الشرخ الحاصل بين بطء تطوُّر أي أمة وبين الضرورة المجتمعية الراهنة تتكفَّل الثورات العنيفة حينئذٍ بإصلاحه.
ويذهب المؤرخون إلى تعيين حوادث التاريخ مستخدمين في ذلك بعض الأساليب، ومنها دراسة الآثار والمباني والكتابات الشاهدة على تلك العصور، والتي من خلالها يمكن الكشف عن بعض السمات النفسية المميزة للعروق البشرية ومزاجها النفسي، وعلى ذلك فاستقراء تلك المعاني الرسومية تظهر لنا العديد من الاكتشافات والأخبار مما لم تخبرنا به الكتب عن تلك الحقب التاريخية المختلفة، من ذلك مثلًا بضع كلمات قليلة كانت منقوشة على حجر في دمياط المصرية “حجر رشيد” كانت السبب في تمكن العالم الفرنسي شامبليون من إحياء اللغة الهيروغليفية، والتي كانت قد اندثرت تمامًا بعد أن كانت لغة تواصل طيلة خمسة آلاف عام أو أكثر!
ويلجأ البعض إلى الكشف عن البناء النفسي للأمم عبر دراسة إنتاجها الأدبي من القصص والأمثال والحكايات والروايات، فعادةً ما تكون أخلاق الشعوب وعاداتها مبثوثة بين ثنايا تلك الموروثات الأدبية، مما يعين على تحديد المناخ النفسي العام الذي كان سائدًا في تلك الفترة لا سيما القوى اللاشعورية مما لا سلطان للأفراد عليها والتي يتم توارثها جيلًا بعد جيل، كما تجدر الإشارة إلى أهمية تعيين المعاني الحقيقية للمفردات والكلمات المستعملة عند دراسة التاريخ الماضي، ذلك أن الألفاظ هي قوالب المعاني ويجري عليها ما يجري على المعاني من تبديل وتغيير، وعلى ذلك كان مجموع الألفاظ المجردة قد تختلف دلالته باختلاف الحضارات والأمم.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”سيكولوجية الجماهير”.
معلومات عن المترجم:
عادل زعيتر: مترجم ومفكر فلسطيني، وُلد في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1895م، تخرج في كلية الحقوق في باريس عام 1925، عمل محاميًّا لفترة ثم أصبح عضوًا بالمجمع العلمي العراقي، وله العديد من الترجمات المهمة لمؤلفين كبار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغوستاف لوبون، وتوفي عام 1957م