فلسفة الكون
تعدُّ الرغبات والغرائز، ومفاهيم كاللذة والألم، هي الباعث الأول على النشاط الإنساني بصفة عامة، ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الحيوان مجرد آلة لمصفوفة من الأفعال المتكررة تتلخَّص في تحصيل أسباب البقاء والتحصُّن ضد أسباب الفناء، ويشذُّ الإنسان قليلًا عن تلك القاعدة -بوصفه مفكرًا– فهو قد يُحيِّد تلك الغرائز بصورة أو بأخرى دون أن يظل غارقًا فيها كغيره من الحيوانات، ومن هنا كان تاريخ الأمم محصورًا بين مطرقة الغريزة وسندان العقل يتقابلان حينًا ويفترقان أحيانًا.
بيد أن العوامل التي تعصف بالأمم في عرصات التاريخ تتمايز ما بين عوامل ثابتة كالأعراق البشرية والإقليم المحيط، وبين عوامل عرضية كالحروب والثورات، وكثيرًا ما تكون النتائج العظيمة التي نحياها اليوم محصلة لسلسلة لا متناهية من العلل البسيطة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ البشري، وهذا ما يُصعِّب كثيرًا مهمة الكشف عنها لفهم العوامل التي أدَّت إلى تشكيل واقعنا المعاصر، مما يجعل التاريخ لا ينتظم وفق بوتقة أحد العلوم، بل هو مركبٌ من علوم شتى، إذ هو مرآة النشاط الإنساني عبر العصور، وعلى قدر التشابك هنا يكون التشابك هناك.
ومن أهم الأفكار التي تعدُّ تدليلًا على التعقيد الذي يكتنف مهمة البحث التاريخي لفلسفة الكون والكشف عن ماهيته، هي تلك المتعلقة بالمبادئ الحاكمة لخلق العالم وطبيعة الإنسان، فالكون يسير وفق نظام محكم مُسيَّر بجبرية مطلقة لا تتخلَّف، وهو في ذلك يخضع لقانون التقلُّب والتحوُّل وسنة التطور التي تجري على جميع الأجرام الكونية، ذلك أن الطبيعة لا تعرف السكون، وإذا كان الموت يمكن النظر إليه فناءً نهائيًّا وفق بعض المذاهب باعتباره نهاية للحياة، فإننا عند النظر إلى العرق البشري بوصفه خليطًا لمجموعة من الصفات النفسية المتوارثة عن الأجداد، يصبح الموت حينئذٍ قنطرة لشكل جديد من أشكال الحياة.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ
في الدائرة التاريخية نلاحظ تعاقب عدد من القوى النفسية ومصفوفات الأسباب ونتائجها المضطردة، مما يمكن القول معه إن هناك سننًا تاريخية تعمل عملها في تاريخ الشعوب والأمم، وتعدُّ فلسفة التاريخ هي العلم المنوط به أصالة الكشف عن تلك النواميس التاريخية والإجابة عن أسئلة من قبيل: لماذا تنتهي الحضارات؟ وكيف تمرض الشعوب؟ وما تجارب الصعود والهبوط للأمم وتعاقبها؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التاريخية الكبرى التي يبحث فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ
غوستاف لوبون : طبيب ومؤرخ فرنسي، وواحدٌ من أشهر المؤرخين الأجانب الذين اهتموا بدراسة الحضارات الشرقية والعربية والإسلامية، ولد في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا عام ١٨٤١م، وقد درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، واهتم بالطب النفسي، وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع، مما جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في علم النفس، تُوفِّي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا 1931م.
من مؤلفاته: “حضارة العرب”، و”روح الثورات والثورة الفرنسية”، و”روح الجماعات”، و”السنن النفسية لتطور الأمم”، و”سيكولوجية الجماهير”.
معلومات عن المترجم:
عادل زعيتر: مترجم ومفكر فلسطيني، وُلد في مدينة نابلس الفلسطينية عام 1895م، تخرج في كلية الحقوق في باريس عام 1925، عمل محاميًّا لفترة ثم أصبح عضوًا بالمجمع العلمي العراقي، وله العديد من الترجمات المهمة لمؤلفين كبار أمثال جان جاك روسو، وفولتير، وغوستاف لوبون، وتوفي عام 1957م