تناقض الصيغ الشعورية!
تناقض الصيغ الشعورية!
يفضل الإنسان المعاصر المشاعر المتفجرة على الأحاسيس المخفَّفة، ويعاني في الوقت نفسه تهييجًا زائدًا وانعدامًا في الإحساس، وتفضيل مشاعر الصدمة هو أصل الشر الذي ينخر النفسية المعاصرة، ويؤدي إلى الإصابة بـ(متلازمة فقدان الإحساس)، وداء القرن الجديد أن الخيال أصبح فقيرًا، والأحاسيس القوية تخدِّر الحس، والفن المعاصر أيضًا لحقه ما لحق الجميع من الجنون العاطفي، فهاجس التجديد يقود إلى الشذوذ والقبح والهلوسة، فهل كل هذا هو نهاية العاطفة؟ إن تلك الحقبة التي عاشها المؤلف كانت تتسم بالمشاعر وليس العواطف، فالعواطف تؤدي إلى الخضوع، بينما تولد المشاعر الحركة والحرية، فالعواطف تُستهلك، والمشاعر تُستهلَك، والناس حاليًّا يهربون من الارتباط الحصري والتعاقد المطلق، ويفضِّلون المواقف العابرة والروابط الهشة.
أما فيما يخص الاستعمال الصحيح للمشاعر، فلكي يتم الرجوع إلى الإنسان الحساس، يجب الانتقال من تحليل الداء، إلى البحث عن العلاج ومعرفة الاستعمال الصحيح للمشاعر، ولن يتم تأهيل الإحساس المريض، إلا بتعويض ثقافة مشاعر الصدمة بمشاعر التأمل، مع مراعاة أن هناك ظروفًا قد تتسبب في عدم جاهزية الإنسان لهذا الرجوع، ومن عراقيل طريق الجاهزية: خطر الغيرية، فالغيرية تخيفنا لأنها تملك القدرة على تحريكنا وبالتالي إحداث التغيير، ثم وهم الاستقلالية، وهو عائق الاعتقاد باكتفائية الذات، وكذلك الروح والجماليات الخارجية، فثروة الحياة الباطنية هي انعكاس(للحظات عالية الجودة) التزمنا فيها بالجاهزية.
ويطرح (لاكروا) سؤالاً مهمًّا ومستنكرًا في الوقت ذاته، ألا وهو: هل هي نهاية العاطفة؟! إن العاطفة لم تكن بعيدة قطُّ عن العذاب والتراجيديا، فهي بالأساس شيء نخضع له واختلال يصيب الروح، في حين أننا نستطيع خلق الظروف التي نحصل من خلالها على شعور معين، حتى لو كان وقتيًّا!
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.