تحرير المشاعر
تحرير المشاعر
إن منحنى قمع الأحاسيس الذي استمر في الصعود منذ عصر النهضة وصل في أيامنا الحالية إلى نقطة الرجوع ليبدأ بالنزول، ومن ثمَّ فإن القاعدة الأساسية للانفتاح في عصرنا هي تحرير مشاعرنا، ففي عصر ما بعد الحداثة، تعد المشاعر الحدود الجديدة للنزاع من أجل الحرية، ورغم أن التحرُّر الشعوري للإنسان المعاصر هو تحرُّر انتقائي، أي إن الإنسان المعاصر يكرِّم بعض المشاعر ويحقِّر أخرى، فإنه يسعى بشكل أو بآخر إلى هذا التحرر، وهناك ثلاث مراحل للتحرر الشعوري، فالمرحلة الأولى هي مرحلة سوسيولوجية، أي يتحرر فيها الإنسان من القيود الاجتماعية المفروضة على المشاعر، أمَّا المرحلة الثانية من تحرير المشاعر فهي (الإحساس بالجسد الذاتي)، والمقصود به إيقاظ الحواس من أجل إيقاظ الحياة الشعورية، وذلك بتمارين حواسية ودورات مخصصة للعمل على الحواس الخمس، أمَّا العلاجات النفسية والمشاعر فهي المرحلة الثالثة لتحرير المشاعر، والتي تدخل في إطار العلاجات النفسية، كل هذا بغرض الوصول إلى التعبير الحر عن المشاعر.
وبالحديث عن العلاجات النفسية يأتي السؤال؛ هل العلاجات يجب أن تكون شفوية أم غير شفوية؟ أولًا ينبغي الوعي بعملية الكبت التي تُمارس على الإنسان مُنذ طفولته، فتحيا مشاعره حياة باطنية في اللاوعي، فالكبت يؤدي إلى الانقسام على الذات والانفصام في الشخصية، وبعد الوعي بالكبت تأتي خطوة مواجهته من أجل إعطاء رؤية شاملة لعبادة المشاعر، وأساليب العلاج النفسي تُصنَّف في نوعين: شفوي وغير شفوي، الأول الكوجيطو الشعوري وهو شفوي، وتحرير المشاعر المرتكز على التصوير اللغوي.
أما النوع الثاني فيتبع طريقًا غير لغوي، أو ما يُسمَّى بـ(بالعلاجات الجديدة)، والمشترك في أصحاب هذا الاتجاه نقطة الإحساس بالمشاعر بشدة قصوى وعيشها حقيقةً مرة أخرى وعدم الاكتفاء بمجرد وصفها والحديث عنها، ومن الصعب الحُكم على القيمة العلاجية للأساليب المختلفة التي تم ذكرها، إذن إن ذلك ينبغي أن يرجع للمختصِّين، لكن من وجهة نظر سوسيولوجية لوحظ شعبية هذه العلاجات الجسدية والشعورية، واعتبرها المؤلف تأكيدًا لنظريته حول عودة المشاعر.
الفكرة من كتاب عبادة المشاعر
إلى أي مدى تتحكَّم المشاعر في حياة الإنسان المعاصر؟ وإلى أي حدٍّ صارت المشاعر مقدَّسة وتتَّخذ شكلًا من أشكال العبادة؟!
سنتحدَّث في كتابنا هذا عن عصر المشاعر، تحديدًا عن ظاهرة “عبادة المشاعر”، ونحللها تحليلًا نفسيًّا فلسفيًّا، ونعرض قضية تفضيل الإنسان المعاصر مشاعرَ الصدمة، أو المشاعر المتهيِّجة، في مقابل مشاعر التأمل والخشوع، وتفضيل الإنسان المعاصر لحالة الصخب على حالة الهدوء التي فضَّلها الإنسان فيما سبق!
مؤلف كتاب عبادة المشاعر
ميشيل لكروا : فيلسوف وكاتب فرنسي مُعاصر، وُلِدَ في 14 ديسمبر عام 1946م، حاصل على دكتوراه دولة، وهو محاضر فخري في جامعة سيرجي بونتواز، ونال جائزة الفلسفة من الأكاديمية النفسية، وجائزة علم النفس عام 2009م عن بحثه “من أجل حياة أفضل”.
له العديد من المؤلَّفات، منها: “في آداب السلوك” الصادر في عام 1990م، والذي نال عنه جائزة الفلسفة من الأكاديمية الفرنسية، و”من أجل أخلاق كونيَّة” عام 1994م و”إيديولوجيا العصر الحديث”، و”أخلاق الأمان”.