حاكمية الذوق الغربي
حاكمية الذوق الغربي
نسمع الكثير يُردد عبارات يُشبه مضمونها “الإسلام لا يصادم الحضارة”، “الإسلام ليس دينًا رجعيًّا، فلا بدَّ أن تُجاري الأحكام الشرعية مُتطلبات الحضارة”، وهكذا يُفكر من انهزم أمام الثقافة الغالبة، ويسعى إلى مبدأ “تطوير أحكام الإسلام لتتناسب مع ذوق العصر” حسب ما يعتقد، وهذه الطريقة هي عكس المُراد من الوحي، فهل نطوِّر الوحي ليُناسب الذوق المعاصر؟ أم نرتقي بالذوق المعاصر ليوافق الوحي؟
إن الله عز وجل أنزل هذا الوحي هُدى للناس، وفيه ما يصلح دنياهم وآخرتهم، فكل دعوى باسم “التجديد” هي في حقيقتها تحوير للأحكام الشرعية لتتفق مع ثقافة الغرب، وكأن مُدعي تلك الدعوات يعتقد أن الذوق الغربي أرقى من أحكام الوحي!
ولفظ “التجديد” في العلوم الدينية يختلف تمامًا عن مفهومه في العلوم المدنية، فالتجديد في العلم المدني يعني ابتكار نظريات جديدة غير معروفة، أما في العلم الديني فيعني استرجاع المفاهيم السابقة ونفض الغبار عنها، لتكون كما أنزلها الله عز وجل.
وتجد آخر حتى لا يصطدم مع الأحكام الشرعية بشكل مباشر يتجه إلى الحديث عن “المقاصد” أو الحديث عن تجديد “علم أصول الفقه”، وكأن هذا العلم علم اجتهادي وليس قطعيًّا، وقد يُخطئ الكثير حين يقول إن الإمام الشافعي -رحمه الله- هو أول من أسس أصول الفقه، والحقيقة أن أصول الفقه من مصادر التشريع، وقواعد فهم النص موجودة منذ اللحظة التي نزل فيها الوحي، وما قام به الشافعي هو إفراد هذه القضايا العلمية في مصنف مستقبل، وتحويلها إلى أصول كُلية.
كما يطرح الكثير من المنهزمين فكرة جعل العقل مصدرًا من مصادر المعرفة الفقهية، ولكن مثل هذا الطرح يدل على جهلهم بأصول الفقه حقيقةً، فالأدلة الشرعية تنقسم فعلًا إلى: دليل نقلي، ودليل عقلي، ومن إعمال العقل في الشريعة: “فهم النص والقياس والاستصحاب والمقاصد والترجيح”، وغيرها.
الفكرة من كتاب سلطة الثقافة الغالبة
الكثير منَّا يعلم مقولة ابن خلدون في مقدمته: “إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب؛ في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك: أن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه”، وقبل ابن خلدون تأمَّل الشيخ أبو إسماعيل الهروي كيف انبهر بعض المنتسبين للعلم الشرعي بالفلسفة اليونانية، ثم أتى أبو حامد الغزالي، ثم ابن تيمية، فلاحظا الملاحظة ذاتها، حتى عصرنا الحديث الذي اندهش فيه الكثير من فارق الإمكانيات بين أوروبا والمجتمعات المسلمة، فظهرت حركات التجديد والنهضة، والتي تعد إحدى ظواهر الهزيمة النفسية لثقافة الغرب الغالب.
وفي هذا الكتاب يُقدِّم الكاتب الأفكار المُختلفة التي يتضِّح من خلالها الدوافع الخفية في رغبة أصحابها بعدم المصادمة مع الثقافة الغربية، من خلال عدة طُرق متوهمة تُظهر أصحابها بصورة المُتعالم الجاهل.
مؤلف كتاب سلطة الثقافة الغالبة
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
الماجريات.
مسلكيات.
الطريق إلى القرآن.
مآلات الخطاب المدني.