مُنهار مخدوع!

مُنهار مخدوع!
ذكر المؤرخ ألبرت حوراني في كتابه “الفكر العربي في عصر النهضة” ما تميَّزت به الحركات النهضوية في البلاد العربية، وكان أهمها: محاولة تطويع المعطيات الشرعية للثقافة الغربية الغالبة، وآلية ذلك هي ضخ المفاهيم الغربية في مصطلحات تُراثية. وفعلًا فإنه لن يمكن مخاطبة قومٍ إلا بحديثهم، فهذه هي السياسة الجديدة ليكون الخطاب المُنحرف أكثر قبولًا، ومن ثم ظهرت عملية ضخ التأويلات للأحكام الشرعية المتعارضة مع المصالح والقيم الغربية، وظهرت الخطابات الدينية “المُلبرلة”، كلها في سبيل أن يكون الخطاب الغربي مُتقَبَّلًا.

ولكن.. هل للغرب يد في ذلك؟ بلا شك، فمن السذاجة وجود إمبراطورية عسكرية بحجم الولايات المُتحدة ولا تُفكِّر في مصالحها، وأن تعمل على تكييف كل الثقافات المُمانعة مع هيمنتها، ومن هنا ظهر الاستبداد في حُلَّته الجديدة، فالاستبداد بشكل عام يعني: الخضوع لسلطة غير موضوعية، ولا ينحصر على الاستبداد السياسي فحسب، بل إن الاستبداد الثقافي قد يساوي الاستبداد السياسي في خطورته.
فضحايا الاستبداد الثقافي في الغالب يميلون إلى البحث عن النصوص الشرعية أو التراث الإسلامي لتجويز مفاهيم الثقافة الغربية الغالبة، وتجد في حديثهم نوعًا من “الانهيار النفسي” أمام نفوذ المستبد كقولهم: المعجزة الغربية، وتجدهم يرجحون الاحتمالات الدلالية للنصوص الشرعية التي تكون موافقة لهوى المُستبد لا وفق المنهج العلمي.
وكما ذكر الكاتب: “أنا لا ألوم الغربي أنْ يُقيِّم المسائل طبقًا لما تقرؤه عينه الزرقاء؛ لكن ألوم العربي أن يُقيِّم المسائل بعين مُزرقة”، فالكثير من الأحكام الشرعية صارت الآن محل نزاع حين انهزم الكثير أمام تلك الثقافات، فلم يكن “الحجاب” أو “قتل المرتد” أحكامًا يختلف فيها المسلمون يومًا، لكن حين تعارضت مع الثقافة الغربية الحديثة بدأت أصوات جديدة في الظهور.
الفكرة من كتاب سلطة الثقافة الغالبة
الكثير منَّا يعلم مقولة ابن خلدون في مقدمته: “إن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب؛ في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده. والسبب في ذلك: أن النفس أبدًا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه”، وقبل ابن خلدون تأمَّل الشيخ أبو إسماعيل الهروي كيف انبهر بعض المنتسبين للعلم الشرعي بالفلسفة اليونانية، ثم أتى أبو حامد الغزالي، ثم ابن تيمية، فلاحظا الملاحظة ذاتها، حتى عصرنا الحديث الذي اندهش فيه الكثير من فارق الإمكانيات بين أوروبا والمجتمعات المسلمة، فظهرت حركات التجديد والنهضة، والتي تعد إحدى ظواهر الهزيمة النفسية لثقافة الغرب الغالب.
وفي هذا الكتاب يُقدِّم الكاتب الأفكار المُختلفة التي يتضِّح من خلالها الدوافع الخفية في رغبة أصحابها بعدم المصادمة مع الثقافة الغربية، من خلال عدة طُرق متوهمة تُظهر أصحابها بصورة المُتعالم الجاهل.
مؤلف كتاب سلطة الثقافة الغالبة
إبراهيم عمر السكران: باحث ومُفكِّر إسلامي سعودي الجنسية، درس في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سنة واحدة، ثم تركها واتجه إلى كلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على درجة الماجستير في السياسة الشرعية من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على درجة الماجستير في القانون التجاري الدولي في جامعة إسكس ببريطانيا.
من أبرز مؤلفاته:
الماجريات.
مسلكيات.
الطريق إلى القرآن.
مآلات الخطاب المدني.