القِبلَة.. العودة إلى البيت
القِبلَة.. العودة إلى البيت
يمثِّل المكان الذي يتجه إليه المسلمون في صلاتهم خمس مرات يوميًّا أكثر مما تحدِّده تقاطع خطوط الطول ودوائر العرض، هذا البيت الحرام في مكة المكرمة الذي مَثَّل انتهاء الرحلة الإبراهيمية في الأرض -بعد تقلُّب وجهه في السماء- التي مَرَّ فيها على مراكز الحضارات القديمة، ليستقرَّ في مكان غير ذي زرع لا يبشِّر من الناحية المادية بأي أمل أن يكون مركزًا حضاريًّا أو مكانًا يجتمع فيه الناس، فهذا المكان القحل كان حجره الذي استند إليه يستمد قيمته وأهميته من كونه مرتبطًا بالسماء، وانعكس ذلك بالتبعية على قيم الحضارة التي تولَّدت حوله، حضارة معْلَمها الأهم نفي الظلم، الذي تجسَّد ولا يزال يتجسَّد في سفك الدماء، عبر تجفيف منابع الظلم نفسها، فصار البيت مكانًا يؤوب إليه الناس ومأمنًا لهم على حياتهم وأموالهم وأعراضهم.
مَثَّل تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بعض اللغط -ولا يزال- عند أولئك الذي وصفهم القرآن بالسفهاء، والذين يرى الكاتب أنهم في كل عصر وأوان، فهؤلاء لم ينفكوا عن تفكيرهم الجامد عن أن البداية بشيء لا تعني وجود شيء أفضل منه، فجاء التحويل لينسف ذلك التصور العقيم ويؤسس لمبدأ قبول التحويل حتى لو كان مفصليًّا ما دام أثبت جدواه، كما أن الاتجاه إلى المسجد الأقصى في الفترة المكية كان إعلان قطيعة مع مكة كلها بقيمها الدينية التي ملأت الكعبة بالأوثان وأيضًا بروابط العشيرة والقبلية، والاتجاه نحو بيت أقرب إلى التوحيد منه إلى الشرك ويرتبط بمنظومة كتابية كان العرب يرفضونها، فالارتباط به قَطَّع تلك الأواصر القبائلية وربطها بالمفهوم الواسع للأمة.
على أن كل تلك المعاني لا ينبغي أن تجعل القبلة محصورة في جهة جغرافية معينة لأن هذه الجهة مجرد وعاء للقيم التي اجتمعت فيها ولا نفع للوعاء دون محتوياته، والهدف الأسمى من كل ذلك أن تستحثنا تلك المعاني على النهوض والقيام من سباتنا الطويل، فهذا البيت جعله الله قيامًا للناس يذكرهم كلما اتجهوا إليه بأن عليهم القيام والإعمار.
الفكرة من كتاب ملكوت الواقع.. ممهدات وحوافز قبل الانطلاق
يهدف الكاتب إلى تناول المعاني الكامنة في الأذان، وتوقيتات الصلاة والوضوء والنية والتكبير ثم دعاء الاستفتاح، وعلاقة بعض أركان الصلاة بالتجربة الإبراهيمية الخالدة.
مؤلف كتاب ملكوت الواقع.. ممهدات وحوافز قبل الانطلاق
وُلِدَ أحمد خيري العمري في العراق عام 1970، وتخرج طبيبًا للأسنان، صدر له لأول مرة كتاب “البوصلة القرآنية” في العام 2003، ثم أتبعه بمؤلفات مهمة مثل “سيرة خليفة قادم”، و”استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة” وغيرها، يحاول تقديم منهج منضبط يتجاوز الجمود الحادث وتفلُّت الموجات التجديدية.