مقاومة مستعصية
مقاومة مستعصية
لم يستسلم كل المسلمين لهذا الظلم والإذلال، فمنهم طائفة قاومت تلك الحروب الشيوعية بما استطاعوا لإحياء الدين في النفوس عسى أن تنجلي الغمَّة، فقابلوا إلحاد الدولة الإلزامي بعادة عدَّها الكاتب حسنة في مثل هذه المواقف دون غيرها، فكانوا يرفعون أياديهم إشارةً بالدعاء للضيف وعند الطعام وعند تحية بعضهم بعضًا، فكانت بمثابة إثبات للوجود الإلهي وعلو الحق سبحانه وتفرُّده بالألوهية.
كما انتشر بينهم بغض التدخين معاداةً للروس الذين فشت فيهم تلك العادة حينذاك، وعرفوا التعليم سرًّا لمواجهة الغربة المفروضة عليهم، فاتخذوا من السراديب والحجرات أماكن لتلقِّي العلوم الشرعية واللغة العربية، ولم يقتصر الأمر على الذكور، بل شمل الإناث أيضًا فكانت المرأة تجتمع بالبنات المسلمات سرًّا في غرفة وقد يكون زوجها في الغرفة المجاورة مع الذكور يعلِّمهم أمور دينهم.
أما أطفال هذه الفئة المقاومة والمستمسكة بهويَّتها القابضة على دينها فحتى مع دخولهم المدارس الشيوعية فقد زرع فيهم والديهم كراهية الروس وشيوعيتهم، فلم تفلح مدارس الشيوعيين مع هذه العصبة الناشئة، ولم تكسبهم مجاورة غير المسلمين الذين جاء بهم الشيوعيون للعيش في الوسط الإسلامي إلا مناعة، فتربَّى الأطفال على عدم قبول هذا الجار الغريب، كما تربَّوا على حبِّ العربية وحروفها حتى ولو لم يعرفوا القراءة بها.
ولما خرج الروس من بلادهم خرج من الحجرات والسراديب آلاف الطلاب الذين يعرفون من الدين ضروراته وقدر من القرآن الكريم، وعلى الرغم من محاولات طائفة من المسلمين كسر هذا الحصار الشيوعي الثقافي والحضاري والعسكري، وتعريض حياتهم وأولادهم للموت أو العقاب القاسي، وجَلدهم وصبرهم على هذا التضييق والخنق إلى درجة عدم معرفة الطلاب شيوخهم ومعلميهم اللهم إلا الكُنى والأسماء الأولى، فقد وُجِد آخرون لم يستطيعوا الصمود أمام السيول الجارفة للشيوعية، فمن المسلمين من نشأ ولا يعرف عن دينه شيئًا.
الفكرة من كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
بعد أكثر من نصف قرن من قبضة الشيوعية على تلك البلاد، يصل المؤلف إلى بلاد ما وراء النهر كما أحب تسميتها أو “الجمهوريات السوفييتية سابقًا” عام 1412 من الهجرة، وتعد رحلته أول اختراقات السور الحديدي الذي فرضه الشيوعيون على البلاد وأهلها، استكشف فيها البلاد وله فيها مشاهدات سطرها في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية في مدينة بريدة بالسعودية، تخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من قسم العلوم العربية والاجتماعية، ثم حصل على الماجستير من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1408 ثم حصل على الدكتوراه من نفس القسم عام 1412 هجرية، بعنوان: “الروايات التاريخية في فتح الباري عصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية جمع ودراسة”، وعمل أستاذًا مساعدًا بالجامعة الإسلامية ثم حصل على التقاعد المبكر.
وللمؤلف كتب أخرى منها: “إلى من ضاقت عليه نفسه”، و”مدخل لفهم السيرة”، و”أليس في أخلاقنا كفاية؟!”.