خريف بلاد ما وراء النهر
خريف بلاد ما وراء النهر
في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فُتحت بلاد أذربيجان، ثم في سنة خمس وخمسين للهجرة عبَر المسلمون نهر جيحون إلى بُخارَى ثم إلى سمرقند، وقد صالحهم أهل المدينتين إلى أن نقضت سمرقند عهدها، وقد أُرسيت قواعد الإسلام الحنيف في بلاد ما وراء النهر بين سنتي سبع وثمانين وأربع وتسعين للهجرة، وعادت سمرقند إلى الديار الإسلامية.
لقد دخلت جميع مناطق ما كان يُسمَّى إلى عهد قريب “الاتحاد السوفييتي” الإسلام، وذلك بإسلام التتار في القرن السابع الهجري، حتى موسكو نفسها بقيت لأكثر من قرنين في كنف الإسلام إلى أن سقطت القسطنطينية وفتحها المسلمون، حيث تحوَّل النصارى حينذاك إلى روسيا وأصبحت معقلًا لهم، وبعد حروب ضروس شنَّها الروس على المسلمين بقيادة إيفان الثالث سنة خمس وثمانين وثمانمائة للهجرة؛ سقطت موسكو، ثم قاد حفيده إيفان الرهيب إبادة جماعية للمسلمين ومدنهم بالكامل، وتبع ذلك زحفًا على آسيا الوسطى فسقطت طشقند وسمرقند وبخارى وعشق آباد وبلاد التركمان.
لقد عاش المسلمون في تلك البلاد بعد سقوطها ألوانًا من الذل والاحتقار تشيب لها الرؤوس، ثم تمدَّدت جراحهم بعد قيام الثورة البلشفية الشيوعية سنة 1917م بغزو بقية بلادهم حتى سقطت بأكملها في أقل من عشرين عامًا، وتختلف المصادر على نسبة المسلمين سكان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت ما بين 10% و30%، ويذكر المؤلف أن عدد الجمهوريات والدول الإسلامية في تلك البقعة يزيد على أربع عشرة جمهورية.
ويستنكر عدم دراية الغالبية العظمى من الأمة الإسلامية بهذه المناطق؛ تاريخها ومعالمها وجغرافيتها وحضارتها وآلامها، إلى حد أن المثقف اليوم يجهل حتى أسماء تلك الأراضي إلا واحدة أو اثنتين، وممَّا يُدمي القلب، أن هذه الجمهوريات والبلاد الإسلامية كانت غنية بالموارد بشكل كبير فاستغلتها الشيوعية لضرب المسلمين ونشر الإلحاد والتنكيل بدينهم داخل البلاد وخارجها، ومع استقلال الجمهوريات الإسلامية بدأ الغرب يحذر من هذا النمط الجديد في تلك الأراضي باعتبارها قوة كامنة وقنبلة قابلة للانفجار في وجه القوميات الأخرى.
الفكرة من كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
بعد أكثر من نصف قرن من قبضة الشيوعية على تلك البلاد، يصل المؤلف إلى بلاد ما وراء النهر كما أحب تسميتها أو “الجمهوريات السوفييتية سابقًا” عام 1412 من الهجرة، وتعد رحلته أول اختراقات السور الحديدي الذي فرضه الشيوعيون على البلاد وأهلها، استكشف فيها البلاد وله فيها مشاهدات سطرها في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية في مدينة بريدة بالسعودية، تخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من قسم العلوم العربية والاجتماعية، ثم حصل على الماجستير من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1408 ثم حصل على الدكتوراه من نفس القسم عام 1412 هجرية، بعنوان: “الروايات التاريخية في فتح الباري عصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية جمع ودراسة”، وعمل أستاذًا مساعدًا بالجامعة الإسلامية ثم حصل على التقاعد المبكر.
وللمؤلف كتب أخرى منها: “إلى من ضاقت عليه نفسه”، و”مدخل لفهم السيرة”، و”أليس في أخلاقنا كفاية؟!”.