بنيان مرصوص وجسد واحد
بنيان مرصوص وجسد واحد
يرى المؤلف أن ما تعيشه الأمة الإسلامية اليوم من تشرذم وفرقة هو ثمرة عمل المستعمر في البلاد، فقد نجح في إثارة النعرات القومية واللغوية والعرقية بين الناس، وعلى إثر ذلك تشكَّلت الروابط والأيديولوجيات المختلفة، والأصل أن الرباط الوثيق الذي جاء به الإسلام مبنيٌّ على التراحم والمحبة وموالاة أهل الإيمان في مقابل من يكيدون للمؤمنين ودينهم، حتى لو كانوا خارج القطر الذي يعيش فيه الفرد، فلا بدَّ أن يعيش الجميع بقلب واحد.
وقد نصَّت الآيات المقدَّسة والأحاديث المطهَّرة على هذا الرابط القويم وحثَّت عليه، فإن تألَّم مسلم في إقليم من الأقاليم فالواجب أن يتألم له كل أفراد الأمة ويقدِّموا له يد العون، فقد قال الله (جل جلاله) في كتابه الحكيم: ﴿إِنَّمَا وَلِیُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَ ٰكِعُونَ وَمَن یَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ ﴾، وفي حديث للنبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى”.
ويحفل التاريخ الإسلامي بما يشهد على رسوخ هذا الرابط عند المسلمين الأوائل، بل إنها قضية محورية في التراث الإسلامي المجيد، يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله): “المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة، ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم، ومواساة بالتوجُّع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضَعُفَ الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قويَ قويت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أعظمَ الناس مواساةً لأصحابه بذلك كله، فلأتباعه من المواساة بحسب اتبِّاعهم له”.
ومن مظاهر عدم الوفاء بحقِّ هذا الرابط الإيماني حق الوفاء، التخلِّي عنه حتى في الأمور الشكلية! فتجد الدول والمدن الإسلامية في الخرائط الجغرافية في ذلك الوقت قد طُمِست هويَّتها بأسماء مستعمريها، بل تجدها تحمل اسمًا واحدًا في القارة كلها: “الاتحاد السوفييتي”، وفي تلك الحقبة لا تجد أثرًا للأراضي الإسلامية والمدن التاريخية التي خرج منها العلماء الأجلاء؛ كمدينة بُخارَى وسمرقند وخوجند ونَسا.
الفكرة من كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
بعد أكثر من نصف قرن من قبضة الشيوعية على تلك البلاد، يصل المؤلف إلى بلاد ما وراء النهر كما أحب تسميتها أو “الجمهوريات السوفييتية سابقًا” عام 1412 من الهجرة، وتعد رحلته أول اختراقات السور الحديدي الذي فرضه الشيوعيون على البلاد وأهلها، استكشف فيها البلاد وله فيها مشاهدات سطرها في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب مشاهدات في بلاد البخاري
يحيى بن إبراهيم اليحيى: ولد عام 1376 هجرية في مدينة بريدة بالسعودية، تخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من قسم العلوم العربية والاجتماعية، ثم حصل على الماجستير من قسم السيرة والتاريخ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1408 ثم حصل على الدكتوراه من نفس القسم عام 1412 هجرية، بعنوان: “الروايات التاريخية في فتح الباري عصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية جمع ودراسة”، وعمل أستاذًا مساعدًا بالجامعة الإسلامية ثم حصل على التقاعد المبكر.
وللمؤلف كتب أخرى منها: “إلى من ضاقت عليه نفسه”، و”مدخل لفهم السيرة”، و”أليس في أخلاقنا كفاية؟!”.