الغذاء كسلاح استراتيجي
الغذاء كسلاح استراتيجي
تكمن الخطورة في قضية إنتاج الغذاء أنها قضية أمن قومي بالأساس وربما يتوقف عليها بقاء الدولة إذا تم إهمالها، فلطالما كان ارتفاع أسعار الغذاء وعدم توافره سببًا أساسيًّا في إثارة القلاقل الاجتماعية والثورات، وبالإضافة إلى كونها قضية اقتصادية واجتماعية تعدُّ كذلك قضية سياسية بامتياز، فالهزَّات التي تعرَّض لها الاقتصاد الغذائي العربي أثرت على نحو كبير في قراراته السياسية، فمن لا يملك قوته لا يملك قراره.
فمع معدلات زيادة الاستهلاك الغذائي التي تبلغ 5% على الأقل سنويًّا بالإضافة إلى زيادة إنتاجية بالكاد تبلغ حد الـ3% تبقى هناك فجوة غذائية تقترب من نصف المعدلات الاستهلاكية تقريبًا مما يؤثر سلبًا في الأمن الغذائي العربي، وترتبط قضية الغذاء بمحاولات التنمية الاقتصادية الشاملة والربط بين النمو الحضري والنمو الذاتي في المجالات الاقتصادية المختلفة نتيجة للروابط الأمامية والخلفية التي تربط أجزاء الاقتصاد الوطني بعضها ببعض، وعلى ذلك فالمعاناة الاقتصادية الغذائية ألقت بظلالها الوخيمة على موازين المدفوعات مما سبَّب اختلالها وظهور العجز المزمن الذي أثَّر بدوره في العملات الوطنية وسبَّب نزيفًا لاحتياطي العملات الأجنبية، مما يجعل عملية تنمية القطاع الغذائي وتطويره أمرًّا يمليه الواجب وضرورة لا مفر منها.
ولكن رغم كل تلك المشكلات الاقتصادية التي سبَّبتها زيادة معدلات الاستيراد الغذائي؛ فإن هناك خطرًا آخر يحدق بالوطن العربي يتمثَّل في إمكانية استعمال الغذاء كسلاح استراتيجي من قِبل الدول المصدِّرة ذات الفائض لابتزاز المنطقة العربية تبعًا لأغراض مختلفة خصوصًا في أوقات الحروب والأزمات، حينها يصبح الغذاء سلاحًا ربما يفوق في آثاره الأسلحة التقليدية الأخرى من حيث العائد مقابل التكلفة، ففي الحرب العالمية الأولى كانت أوروبا في أمسِّ الحاجة إلى الحبوب الغذائية نظرًا إلى تحويل اقتصادها إلى مجالات الإنتاج العسكري عوضًا عن الإنتاج المدني، وكانت تلك فرصة أمريكا لازدهار اقتصادها، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم المساعدات الغذائية لخدمة أغراضها السياسية، فهي ترى أن الغذاء ليس لكل من يحتاج إليه، إنما فقط للدول ذات السلوك الحسن بالمقاييس الأمريكية.
الفكرة من كتاب مشكلة إنتاج الغذاء في الوطن العربي
“من لا يملك قوته لا يملك قراره”، ومن هنا تتجلى أهمية هذا الكتاب، فهو يعالج قضية الأمن الغذائي العربي مستعرضًا أسباب المشكلة على نحو عام، ثم يدلف إلى جغرافيا الوطن العربي مظهرًا الواقع والفرص المتاحة والتحديات للنهوض بالاقتصاد الغذائي، وأخيرًا يتعرض لمحاولات استغلال قضية الغذاء كسلاح من قِبل الدول العظمي لابتزاز غيرها من الدول الأخرى.
مؤلف كتاب مشكلة إنتاج الغذاء في الوطن العربي
حمد علي الفرا: كاتب وعالم اقتصاد، ولد بمدينة خان يونس بفلسطين عام 1932، حصل على ليسانس الآداب في الجغرافيا من جامعة القاهرة عام 1954، حصل على الماجستير من جامعة نيوكاسل بإنجلترا في عام 1967، ونال عام 1970 درجة الدكتوراه في الجغرافيا الاقتصادية من الجامعة نفسها، وتقلد الكثير من المناصب الأكاديمية في الأردن وفي الخارج، كما كان أستاذًا زائرًا في عدة جامعات منها أكسفورد في بريطانيا عام 1977، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام 1984.
أصدر العديد من الأبحاث والمقالات العلمية في مختلف المجالات والدوريات العلمية، وله كتب منشورة أهمها: “التنمية الاقتصادية في دولة الكويت”، و”مناهج البحث في الجغرافيا بالوسائل الكمية” و”الطاقة: مصادرها العالمية ومكانة النفط العربي بينها”.