ما بعد فاجعة بلاط الشهداء
ما بعد فاجعة بلاط الشهداء
إن انهزام المسلمين في بواتييه لم يكن هو السبب في وقف الفتوحات الإسلامية في أوروبا، فمعروف أن المسلمين آنذاك كانوا قومًا مجاهدين لا توقفهم الهزائم بل تشجعهم على المُضيِّ قدمًا، وقد رأينا هذا في فتوحات عقبة بن نافع، لكن إن سبب عدم العودة والإصرار على الفتح هم المسلمون أنفسهم بعدما انشغلوا بالفتن والخلافات التي صرفتهم عن مواصلة الفتوحات، بل إن ما أعاد النصرانية إلى الأندلس حين سقطت بعد سقوط آخر ممالكها غرناطة هو عجز المسلمين عن فتح فرنسا.
ويشير الكاتب إلى وضع المسلمين بالنسبة إلى فرنسا بعد معركة بلاط الشهداء، فقد تحالف دوق مرسيليا “مورون” مع القائد يوسف بن عبد الرحمن الفهري والي أربونة آنذاك وزحفا بجيشيهما واستوليا على “آرل” و”أفينيون”، وقد وصل المسلمون كذلك إلى نهر “ديرانس”، وهو أحد فروع نهر الرون، أما بالنسبة إلى شارل مارتل فقد زحف عام 732م واستولى على “ليون” التي تخلَّى عنها المسلمون بعد انسحاب بلاط الشهداء، ثم استولى على برجنديا.
في عام 734م / 116هـ قام الخليفة الأموي بتولية عقبة بن الحجاج السلولي واليًا على الأندلس، وعُرف عن عقبة بأسه وحسن دينه وسيرته حتى إن المصادر النصرانية أثنت عليه، كما أنه قد جهز جيش المسلمين وأشعل حماسه للثأر لبلاط الشهداء، فحصَّن الجيش الإسلامي ما تحت سيطرته من مدن فرنسا، ثم فتحوا “فالانس” على نهر الرون، واستعادوا ليون وبرجنديا، ليقرِّر شارل مارتل الاستيلاء على أفينيون.
الفكرة من كتاب بلاط الشُّهداء
“لو انتصر العرب في تور-بواتييه لتُلِيَ القرآن وفُسِّر في أكسفورد وكامبردج!” هكذا قال المؤرخ الأوروبي “جيبون” عن المعركة التي أجمع المؤرخون أنها من أكبر المعارك الفاصلة في تاريخ البشرية جمعاء، كيف لا ولو كان مُقدرًا للمسلمين النصر فيها لكانت فرنسا مُسلمةً ولما سقطت الأندلُس، ولضمَّت الحضارة الإسلامية أوروبا من غربها إلى شرقها، لكنها إرادة المولى (عز وجل)؛ إرادته أن يُستشهد بطلنا المُسلم عبد الرحمن الغافقي وينسحب الجيش الإسلامي من معركة بلاط الشهداء.
مؤلف كتاب بلاط الشُّهداء
شوقي أبو خليل (1941-2010م)، هو كاتب وباحث فلسطيني درس بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة دمشق، ثم حصل على دكتوراه في التاريخ من أكاديمية العلوم بأذربيجان، ثم عمل في عدة مناصب أهمها عمله أستاذًا جامعيًّا لمادة الحضارة الإسلامية في كلية الدعوة الإسلامية، ومدير تحرير في دار الفكر بدمشق، وقد ألَّف ما يزيد على سبعين كتابًا عن التاريخ والحضارة الإسلامية، ومن أهم مؤلفاته:
فتح الأندلس
عوامل النصر والهزيمة.
آراء يهدمها الإسلام.