اليوم الأخير لا يحتمل التأسُّف!
اليوم الأخير لا يحتمل التأسُّف!
في اليوم الثالث من أيام الإبصار لن تفوِّت هيلين الاستيقاظ مع الفجر أيضًا لتشهد هذا الجمال المتجدِّد وشروق الشمس المتصاعد الذي يُخبر من يراه بقدوم يومٍ جديد وحياة جديدة يُحقِّق فيها ما يُريد وينطلق إلى فرصة أخرى في الحياة ليلحق بما فاته ويأتي بإنجازٍ جديد، وفي هذا اليوم الأخير لن تضيع هيلين وقتها في التأسُّف والحزن كونه نهاية الأيام الثلاثة والعودة إلى الظُلمة مجددًا، بل ستذهب نحو العالم الحاضر بما أنها قد رأت الماضي قبلًا، ستنزل إلى الشوارع وتركِّز على حركة الناس نحو مشاغلهم في الحياة، سترى تلك المتاجر المُتزيِّنة، وتلك الحديقة حيث العشب الأخضر والأشجار والأزهار، ستنظر إلى أمهات يداعبن أطفالهن في سعادة ومرح، ثم ستتحرَّك نحو الجسر لتشاهد المراكب والسفن الضخمة المُعبِّرة عن براعة هندسية، وتندهش من ناطحات السحاب في مدينتها المفضَّلة نيويورك. هل يُركِّز الناس في حياتهم على هذه المشاهد حقًّا، أم لأنهم اعتادوا نعمة البصر فهم لا يُبالون بما حولهم ويهرولون نحو مشاغلهم دون لحظة امتنان لهذه النعمة؟!
ستتجوَّل هيلين في شارع يُسمَّى “فيفث أفينيو” وتتجوَّل في المتاجر لتختار ملابس لها، فهي ستهتم أكثر بملابسها وألوانها، ولطالما كانت ملابسها لا تحظى باختيارها واهتمامها لأنها لم ترَهَا، ثم ستمرُّ على الحدائق التي يقصدها الأطفال وستمعن النظر في كل ما حولها سترى الناس، والأشياء إن كانت زهيدة أم ثمينة، ولن تغمض عينيها حتى عن المشاهد المُحزِنة لأنها وبأي حال تمثِّل جانبًا من جوانب الحياة وطبيعتها.
الفكرة من كتاب لو أبصرت ثلاثة أيام
إننا البشر حين نعتاد هذه الحياة ومرور أيامها ننسى كل تلك النعم التي رُزقنا بها، ويا لضعف الإنسان حين تضيق عليه دنياه بالتفكير في حزنٍ ويأسٍ وأوهامٍ أحاط نفسه بها، لكن كم من نعمٍ وجب علينا أن نقف لحظةً في يومنا ونحن ممتنون لوجودها، فها هي نعمة الأهل والأصدقاء والطبيعة من حولنا والصحة، ولكن ماذا إذا فقدنا نعمة النظر إلى كل ما تم ذكره؟ هل تخيَّلنا أنفسنا للحظة نودِّع نعمة البصر باعتبار أن اليوم هو آخر يوم لها، ماذا كنت ستقرِّر حينها؟
مؤلف كتاب لو أبصرت ثلاثة أيام
هيلين كيلر آدامز: كاتبة ومحاضرة أمريكية، وُلِدَت فاقدة لحواس السمع والبصر والقدرة على الكلام، لكنها حوَّلت إعاقتها إلى جانب إنساني حفر اسمها في التاريخ بعد أن أخذت بيدها معلمتها آن سوليفان لتعليمها حتى حصلت على درجة البكالوريوس بكلية رادكليف بتقدير امتياز، كما حصلت على جائزة نوبل في الآداب لعام 1979م، وقد ألَّفت نحو ثمانية عشر كتابًا، وتُرجِمت إلى خمسين لغة، ومن أشهر مؤلفاتها: “قصة حياتي”، و”العالم الذي أعيش فيه”، و”أضواء في ظلامي”.