العتاب الضرير
العتاب الضرير
يا أصدقائي! نداء له صداه الموحي بالرغبة في الجوار والاستكانة، نداء للنصرة، فالصديق هو ذلك الشخص الذي يسندك ولا يخون، تعطيه فيقدم مزيدًا، تطلب فتجاب دون استثقال، هكذا رأى الكاتب تلك العلاقة التعاونية المنزهة عن شوائب الكراهية والحقد، بل ورآها ضرورة تستقيم بها الحياة وتمضي وتستحيل دونها إلى جحيم لا يطاق، وذكر في ذلك ما فعله الحواريون أنصار المسيح وما نقلوه من تعاليمه إلى الدنيا من بعده، بالإضافة إلى صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء المهديين رحمهم الله جميعًا، وخص بالذكر “أبو بكر الصديق” -رضي الله عنه- وما له من مواقف في نصرة صاحبه وتصديق ما جاء به من أول يوم.
لذا استنكر الكاتب قول أرسطو: “يا أصدقائي.. ليس هناك أصدقاء”، وأخذ على الشاعر حين قال: “احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة…”، معللًا موقفه بأن ما فعله أصدقاء الفيلسوف وما دعا الشاعر إلى هذا القول هو خير برهان أنهم لم يكونوا أصدقاء في الأصل، بل حتى طعنة بروتوس الشهيرة ليوليوس قيصر حين انضم إلى المتآمرين عليه ليست تنفي وجود الصداقة، فالمسألة إذًا لا تكمن في “هل هناك أصدقاء؟” وإنما هي “كيف نختار الأصدقاء؟”.
اعتدنا سماع ما يقال في آلية اختيار الصديق الصالح المتوافق معنا في المبادئ القويمة والمدرك للفضائل، كما ونعلم أنها علاقة قائمة على الأخذ والعطاء، لا يصح فيها وجود طرف مستغل للآخر، فأينما وجدت الطمأنينة فقد وجدت زهرتك، وما عليك سوى تقديم ما يعين على ازدهارها فلا تذبل إهمالًا، وقد استفاض الكاتب في ذلك فأوصانا بالمسامحة وألا نكثر العتاب واللوم، وعلى عكس ما يشاع أن كثرة العتاب أبدى للصلح، بل هو أبدى لزعزعة العلاقات وخلق السأم، وفيه نوع من إثقال الآخرين بهموم فوق همومهم، والأجدر أن نتغافل ونتقبل كل ما يمكن تقبله من هفوات كي تستمر حبال الود.
الفكرة من كتاب صديقي لا تأكل نفسك
“صديقي لا تأكل نفسك” جملة معدودة الكلمات يطول فيها الشرح وتنبض بها الحكمة، فهي خلاصة ما مر به الكاتب في إحدى مرات سفره مصوغة في قالب مقالي، وعلى هذا النمط الأدبي خرج لنا هذا الكتاب حاويًا مجموعة من المقالات المختلفة يبلغ عددها الخمسة وعشرين مقالًا في المواقف الاجتماعية والحياتية التي عايشها، والتأملات الفكرية التي مر بها، أي أنه يكتب أبرز ما مر به من قصص تخرج المكتئب من طور حزنه، وتسلي الضجر، وترشد الهائم في اختيارات الحياة، بما يحقق أقصى استفادة ممكنة، وها نحن نقدم عصارتها المكثفة لك قارئنا، ذاكرين مقاطع مختارة لأكثر ما احتواه تأثيرًا؛ كي تنهل وتسترشد من خبرات أحد أبرز كُتاب العصر الحديث.
مؤلف كتاب صديقي لا تأكل نفسك
محمد عبد الوهاب مطاوع الكاتب الصحفي مخموم القلب خفيف الكلام، ولد -رحمه الله- في مصر عام 1940، درس الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1961، وعمل محررًا صحفيًّا بقسم التحقيقات في جريدة الأهرام المصرية ثم سكرتيرًا للتحرير، ثم نائبًا فمديرًا للتحرير في ذات الصحيفة، كما شغل رئيس تحرير مجلة الشباب.
وله العديد من المناصب المرموقة الأخرى التي شغلها طيلة حياته، ولا ينسى منها ما كان يشرف عليه من باب بريد الجمعة وباب بريد الأهرام اليومي، حيث عدها كمنصة تعينه على قضاء حوائج الناس وتقديم الاستشارات في مختلف الأمور الحياتية بأسلوبه الراقي اللين، لذا كان حقًّا أن يلقب بـ”صاحب القلم الرحيم”، ومن أهم أعماله وأكثرها رواجًا: “وقت للسعادة ووقت للبكاء”، و”أقنعة الحب السبعة”، و”قالت الأيام”، و”طائر الأحزان”.