تطبيقات على علاقة السببية
تطبيقات على علاقة السببية
كل المعجزات التي نعرفها عن الأنبياء (عليهم السلام) هي من خوارق العادات، لكن ما المعيار الذي نستطيع أن نميِّز به بين ما هو خارق للعادة وما هو ليس خارقًا للعادة؟ نجد عدَّة اتجاهات تحاول تفسير المعجزات وخوارق العادات؛ فلنأخذ معجزة سلامة نبي الله إبراهيم من النار، كمثال تطبيقي.
الاتجاه الأول يرى إرجاع المعجزات وخوارق العادات إلى تصرُّف ما وراء الطبيعة في عالم الطبيعة من غير وسائط طبيعية، معبرين عنه باسم “الخطاب التكويني” نسبة إلى قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، فيرون أن النار فقدت خاصية الإحراق تجاه النبي إبراهيم (عليه الصلاة والسلام) بأمر تكويني من الله.
والاتجاه الثاني يُرجع المعجزات وخوارق العادات إلى تسخير الأسباب الطبيعية المجهولة لدينا؛ فيرون أن هناك سببًا طبيعيًّا مستورًا عن علمنا، يحيط به الله تعالى، أما الاتجاه الثالث فيُرجِع المعجزات وخوارق العادات إلى نظام أعلى من النظام الطبيعي؛ فيرون أنه يمكن تفسير المعجزات والخوارق علميًّا، فنحن أمام تفاضل قوانين، وليس خرقًا للقوانين، فهناك قوانين أعلى من مداركنا.
بناءً على ذلك نجد أن كلتا النظريتين (الارتباط الضروري) و(القوة المودعة) لم تستطع أيٌّ منهما تفسير المعجزة على وجه الجزم بتفاصيلها، لكن نظرية (الاقتران العادي) تستطيع أن تفسر جميع المعجزات بسهولة بالغة، ولا غرابة في ذلك إذ إن من أهم بواعث وضعها هو تفسير المعجزات وخوارق العادات، فالنار يقارنها الإحراق في العادة، لكنها ليست سببًا حتميًّا وضروريًّا يترتَّب عليه الإحراق كنتيجة، بل الأفعال والآثار يخلقها الله كما يخلق مصادرها، فما من سبب حقيقي إلا الله.
الفكرة من كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
أمام كل ظاهرة تحدث، يجد الإنسان في ذاته الباعث الذي يدفعه إلى التساؤل: كيف؟ ولماذا؟ وما السبب؟ يبغي منها تحليل تلك الظواهر باحثًا عن سبب وجودها، واستكشاف العِلل الكامنة وراءها، ومن هنا كانت “علاقة السببية” بالنسبة إلى الإنسان هي الحلقة الأولى من كل سلسلة تفكير أو تساؤل، وقد يبدو لنا أن السببية مسألة محسومة ومنتهية، لكن المتعمِّق في الفكر الفلسفي، يجد أن الفلاسفة والسادة المتكلمين أرباب عِلم الكلام، قد ذهبوا فيها مذاهب شتَّى، محاولين فهمها وتفسيرها.
مؤلف كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
الدكتور أكرم خفاجي: مهندس عراقي، تحوَّل إلى دراسة العلوم الشرعية، وحصل على الدكتوراه في العقيدة والفلسفة الإسلامية، من مؤلفاته: “متشابه الصفات بين التأويل والتفويض”.