منشأ الحاضر
منشأ الحاضر
عندما بلغ انتشار اللعبة حدًّا عجزت الحكومات البريطانية عن صده، ولم تملك السلطات إلا الإذعان وتقبُّل وجودها، وفي عهد الملكة فيكتوريا استحكر البريطانيون اللعبة وبدؤوا في فرض القوانين الحالية وعقد الاتفاقيات، واعتبارها سلعة تصدر معهم أينما حلوا وتوسعوا.
ورغم أن المباريات نظمت في المدارس والجامعات الإنجليزية لأبناء الأثرياء فقط، نراها شقت طريقها في شوارع أمريكا اللاتينية عن طريق البحارة البريطانيين، وعلى أن شُبانهم الأغنياء قد حاكوا اللعبة تمامًا كما الإنجليز وأعطوا أنفسهم حق امتلاكها، فإنها تسللت إلى الفقراء الذين أثروها، وتحديدًا في البرازيل أظهر حماس الشعب للعبة إبداعًا جديدًا، فأعيد اكتشافها وولدت أجمل كرة وتشكلت أبرع أقدام عازفة، وتدريجيًّا تخلت الكرة عن وظيفة الترفيه الخاصة بـ الأرستقراطيين رغم تذمرهم، فمجلة سبورت المنشورة في ريو دي جانيرو مذكور فيها: “نحن الذين لنا مكانة في المجتمع مضطرين إلى اللعب مع عامل أو سائق.. فممارسة الرياضة آخذة بالتحوُّل إلى عقوبة وتضحية، ولم تعد متعة على الإطلاق”.
وبدأت عملية سن القوانين حين أقرت جامعة كامبردج عام 1846 القوانين الأولى بمنع لمس الكرة باليد أو التعدي بالضرب على اللاعبين، وفي ذلك يقول الكاتب: “وبعد مرور قرن ونصف قرن على ذلك، لا يزال ھناك لاعبون حتى اليوم يخطئون ما بين الكرة ورأس خصمھم، بسبب تشابه شكليھما”.
وفي عام 1863 عُقد اتفاق جنتلمان بين اثني عشر ناديًا إنجليزيًّا، لكن الاتفاق لم يحدد أبعاد الملعب ولا عدد اللاعبين ومهامهم ولا زمن المباراة الذي قد يمتد إلى ساعتين أو ثلاث، فكان من العادي حينها رؤية لاعبين يدخنون ويتحدثون متى كانت الكرة بعيدة عنهم، فضلًا عن عدم وجود حَكَم واعتبار اللاعبين حكامًا لأنفسهم، أما التسلل فكان معروفًا حينها، فمن غير المقبول تسجيل هدف من وراء ظهر الخصم!
وفي اسكتلندا عام 1870 نُظمت الفرق وحُددت مهام اللاعبين من دفاع وهجوم وخط وسط، وفي العام التالي خلق حارس المرمى، وفي سنة 72 عُين الحكم وقد اقتصرت مهامه على الصراخ من الخارج، وفي عام 1891 دخل أرض الملعب وحكم بأول ضربة جزاء.
وأخيرًا لم تنتهِ الهيمنة البريطانية إلا بتشكيل الفيفا في نهاية القرن التاسع عشر عام 1904.
الفكرة من كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
بعيدًا عن أحاديث المهووسين بالكرة، وعن نمطية الكتب الرياضية، يطل علينا غاليانو بأسلوبه الفريد ليرينا اللعبة من منظور أدبي مختلف، يأسرك مع المعاناة ويحررك مع الفرحة، لتتفاعل مع تبعات لم تتخيل مطلقًا أن الكرة هي محركها الأول.
هنا ستدرك الوجه الآخر لكرة القدم، ذلك الوجه المشتمل على مشاعر متضاربة، وحقائق مجهولة، والمرتبط بأبعاد سياسية واقتصادية وتحولات تاريخية لم يسبق لنا تصوُّرها، ببساطة لا يشترط هذا الكتاب اهتمامًا سابقًا بالكرة ولا إدراكًا لشروطها كي تشاركه رحلته الحزينة من المتعة إلى الواجب، ومن هواية تسلي البسطاء إلى صناعة معقدة وأداة فعالة لتحريك الشعوب.
مؤلف كتاب كرة القدم بين الشمس والظل
إدواردو غاليانو : عملاق من عمالقة الأدب اللاتيني والمفتون بالساحرة المستديرة، فكان رجل الحروف البارز في مجال كرة القدم العالمية، ولد غاليانو في الأوروغواي عام 1940 ومات في 2015، عمل خلال حياته باحثًا وروائيًّا وصحفيًّا، لكنه عاش جزءًا من عمره منفيًّا بعيدًا عن موطنه في إسبانيا والأرجنتين لأسباب سياسية.
امتاز أسلوبه بدمج المفردات والأنماط العالمية المستخدمة في الأدب، فعدَّ ملهمًا للكثيرين حول العالم، وترجمت أعماله إلى ثمانٍ وعشرين لغةً، من أبرزها:
أفواه الزمن.
أبناء الأيام.
صياد القصص.
الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية.
معلومات عن المترجم
صالح علماني: رائد ترجمة أدب الواقعية، الذي استطاع بمجهوده الفردي الغزير على مدى أربعين سنة وبكلماته السلسة أن يأخذ بأيدينا لنتطلع على أمريكا اللاتينية وأدبها كما لم يفعل غيره.
ولد شيخ المترجمين العرب في سوريا عام 1949 بهُوية فلسطينية وفارق عالمنا سنة 2019 في إسبانيا، وهي الدولة التي احتضن لغتها، وعمل في نقلها لنا بعد أن ترك دراسة الطب ومن بعدها الصحافة، حتى وجد ضالته مصادفةً في الترجمة، وقال في ذلك: “أن تكون مترجمًا مُهمًّا أفضل من أن تكون روائيًّا سيئًا”، وهكذا صار وسم “صالح علماني” على فاتحة كتاب ما شهادة بأن المضمون يستحق القراءة.