إنسان عصر الرقاقة الإلكترونية!
إنسان عصر الرقاقة الإلكترونية!
في البداية ما الذي تعنيه كلمة سرعة وبطء؟ هذه الكلمات ليست مقتصرة فقط على أنها المقياس الوقتي لحدوث الأشياء، بل إنها فلسفات أو مذاهب للحياة، فالشخص السريع رغم نشاطه فهو متململ ويفضِّل الكم على الكيف، أما البطيء المتأمل فهو عكسه تمامًا، يهتم بالعلاقات الاجتماعية والاستمتاع بكل شيء، لكن من الجميل أيضًا أن تتعلَّم كيفية المحافظة على مواعيدك وتسليم عملك مع الحفاظ على سلامك وتباطؤك الداخلي، وهذا يحدث فقط بالتوازن، أن تكون أنت قادرًا على تحديد سرعتك اليوم، وهذا النظام لا يحاول القضاء على الرأسمالية، ولكنه فقط يضيف إليها لمسة إنسانية؛ فالبطبع نحن لا نريد الرجوع إلى عصر ما قبل التكنولوجيا بزعم أننا نحاول الإصلاح!
ومن هنا ظهرت حركات كحركة البطء في الطعام، ونادي الكسل في اليابان، ومؤسسة لونغ ناو، وجمعية إبطاء الزمن في أوروبا، وفي إيطاليا تسعى أكثر من ستين مدينة إلى تحويل نفسها إلى أماكن للاستجمام أو كما يطلقون عليها واحات للهدوء، ثم ظهرت حركات كحركة الجنس البطيء، وحركة التعليم المدرسي البطيء، وسنشرح كل منها بالتفصيل في الفقرات التالية.
ولكن قبلها يجب أن نعلم كيف ومتى بدأت مشكلتنا مع الوقت والسرعة؟ هل هي منذ بداية الخليقة أم أنها أمر مستحدث؟ كانت غريزة البقاء هي دافع الإنسان لقياس الوقت ووضع التقويم الخاص بكل حضارة، فقد كانوا يحتاجونها لمعرفة مواسم الزراعة والحصاد.
ولأن التقويم الشمسي والقمري وحتى الساعة الرملية لم يكونوا دقيقين في تحديد الوقت بدقة لأسباب كتفاوت مدة الساعة الشمسية بسبب ميلان الأرض، أو وجود الغيوم، كان أجدادنا يعتمدون على الفجر كميقات معلوم تبدأ عنده الأعمال والمعارك لأنه الوقت الوحيد المتفق عليه، ومن هنا سار الوقت بشكل طبيعي جدًّا، أي تأكل عندما تجوع وليس في وقت معين، وتنجز عملك عندما ترى أن الوقت مناسب، وتنام عندما تشعر بالنعاس، دون الالتزام بأي وقت.
ثم ظهر وحش الساعات الميكانيكية وبدأت الدول تضع القوانين التي تحدِّد بداية ونهاية يوم العمل، ووقت الاستراحة ووقت النوم، ومن هنا بدأت برمجة الإنسان وتكيُّفه مع الساعة على مدار اليوم وكل يوم.
ومن هنا بدأ نظام دفع الأجور بعدد ساعات العمل، ومعه ثورة من السرعة، بعدما كانت السفن والأحصنة أسرع وسائل النقل، ظهر القطار البخاري والسيارات والطائرات والنقل في ثوانٍ عبر الإنترنت، والمصانع والآلات التي تغطي بإنتاجها المهول على الحرفيين المتمهِّلين.
الفكرة من كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
في البداية تم بناء سفينة “غير قابلة للغرق”؛ رغبةً من العالم في تسجيل سرعات قياسية لعبور المحيط الأطلنطي مهما كان الثمن، ولكن للأسف تم اصطدام هذه السفينة بجبل جليدي، ما أدَّى إلى غرقها في اليوم الرابع من إقلاعها!
“تيتانك” بالطبع نعلم جميعًا هذه السفينة، ومن هنا بدأت صيحات العالم لإيقاف حماقة السرعة والتأمل في استعبادها لنا.
يبدأ الكتاب بالحديث عن أضرار السرعة على المجتمعات من جميع النواحي، ويشرح بعدها معنى مفهوم الوقت ومتى ظهر وكيف كان القدماء يتعاملون معه ومتى ظهر مفهوم السرعة، ثم يدعونا الكاتب لعالم بطيء متمهِّل فيحكي لنا عن نادي الكسل في اليابان وقرى بطيئة في إيطاليا، وكيفية تنشئة طفل متمهِّل، وكيف أفقدتنا السرعة متعة الأشياء كالطعام والجنس وحتى متعة التفكير والطب، وكيف نتغلَّب عليها وننعم ببعض الهدوء.
مؤلف كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
كارل أونوريه: هو صحفي كندي من مواليد اسكتلندا 1967، تخرَّج في جامعة إدنبره، وهو حائز على شهادتين في التاريخ واللغة البريطانية، عمل مع أطفال الشوارع في البرازيل، وهذا ما ألهمه أن ينحو نحو الصحافة،كتب العديد من الكتب التي حقَّقت رواجًا عالميًّا، وأشهرها: “في مديح البطء”.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: مستشار إعلامي وكاتب ومترجم سوري مقيم في دبي، بدولة الإمارات، وهو من مواليد حمص 1961 حاز على البكالوريوس في الهندسة، ثم درس الأدب الإنجليزي عامين في جامعة حلب، وتفرَّغ منذ عام 1996 للعمل الصحفي والإعلامي حتى شغل منصب مدير تحرير الطبعة العربية في مجلة PC Magazine ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربز” العربية وغيرها.