مع هي أزمتنا مع الوقت؟
مع هي أزمتنا مع الوقت؟
أصبحنا جميعًا مصابين بما يسمَّى بمرض الوقت كما يسميه الطبيب الأمريكي لاري دوسي، وهو مصطلح يصف تصميمنا على الاعتقاد بأن الوقت ينفد، وأننا إذا لم نسرع لن نلحق به، فنظل نحشو الوقت ونملأ ثغراته حتى تصبح كل ساعة في يومنا متكدِّسة مليئة بالكثير من الأعمال والأنشطة التي تسرع من طريقنا إلى الانهيار وتزيد الضغط العصبي علينا، قد تظن بالإسراع أنك تزيد من كفاءتك وتستطيع فعل المزيد ولكن الحقيقة على عكس هذا تمامًا، فالسرعة تكلِّف الشركات مليارات الدولارات كل عام في إصلاح العيوب وتلافي الخسائر، حيث إن السرعة وطول ساعات العمل يزيدان من الإجهاد، ويقلِّل من التركيز ويدفع الناس إلى مشكلات صحية عقلية وجسدية.
وإذا كنت تريد معرفة المزيد عن هذه الظاهرة، فتعرف معي على مصطلح “كاروشي”، وهو مصطلح ظهر في اليابان بعدما توفِّي أحد الموظفين في سن السادسة والعشرين بشكل مفاجئ نتيجة للإجهاد في العمل، وقد كان هذا الموظف المثل الأعلى في التفاني في العمل؛ فقد كان يعمل تسعين ساعة في الأسبوع، وكانت الشركات تحفِّز موظفيها بعمله، حتى بعد موته ظلَّت هذه الظاهرة منتشرة وظلَّت القائمة في ازدياد!ولمجاراة هذا المجهود العظيم قد يلجأ الناس إلى الكثير من المنبهات التي تضرُّ بصحتهم أكثر مثل القهوة والكوكايين والميث والأمفيتامينات، وهذا لتعويض النشاط المفقود نتيجة لقلة النوم،
ومع تسارع الوقت والأعمال أصبحنا نفقد علاقاتنا الاجتماعية، ونفقد التواصل مع الأصدقاء والأسرة
التي يعاني المراهقون فيها من غياب الأهل وعدم مشاركتهم في أحزانهم وأفراحهم وانتصاراتهم.
وقد نلجأ إلى السرعة رغبةً منا في التميز، لكن عندما يصبح الجميع مسرعين تفقد السرعة ميزتها وتصبح شيئًا عاديًّا، وستتطلَّب رغبتك في التميز أن تسرع أكثر لتسبق الجميع!
لم يعد هناك تأمل ولا تفكير ببطء ولا مساحة للجلوس دون فعل أي شيء! نفد صبرنا وأصبحنا نفكِّر بسرعة ونشعر بالضيق والغضب من أقل بطء وأصغر عائق يعترض طريقنا أو يعطِّلنا، وبما أن تكلفة السرعة باهظة ومعظمها خسائر، والتمهُّل احتمالاته كثيرة، قرَّرت بعض المجموعات أن تتصدَّى للسرعة، وأن تختار أن تبطئ من رتم حياتها على جميع المستويات، وقد نجح الأمر.
الآن قد حان الوقت لنتغلَّب على هذا الوسواس الذي يدفعنا إلى أداء كل شيء بسرعة، ونتذكَّر قصة السلحفاة والأرنب، وفازت السلحفاة لأن البقاء للأصلح وليس للأسرع، والأصلح بالتأكيد لن يأتي بالسرعة العمياء، بل بالتفكير الصحيح.
الفكرة من كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
في البداية تم بناء سفينة “غير قابلة للغرق”؛ رغبةً من العالم في تسجيل سرعات قياسية لعبور المحيط الأطلنطي مهما كان الثمن، ولكن للأسف تم اصطدام هذه السفينة بجبل جليدي، ما أدَّى إلى غرقها في اليوم الرابع من إقلاعها!
“تيتانك” بالطبع نعلم جميعًا هذه السفينة، ومن هنا بدأت صيحات العالم لإيقاف حماقة السرعة والتأمل في استعبادها لنا.
يبدأ الكتاب بالحديث عن أضرار السرعة على المجتمعات من جميع النواحي، ويشرح بعدها معنى مفهوم الوقت ومتى ظهر وكيف كان القدماء يتعاملون معه ومتى ظهر مفهوم السرعة، ثم يدعونا الكاتب لعالم بطيء متمهِّل فيحكي لنا عن نادي الكسل في اليابان وقرى بطيئة في إيطاليا، وكيفية تنشئة طفل متمهِّل، وكيف أفقدتنا السرعة متعة الأشياء كالطعام والجنس وحتى متعة التفكير والطب، وكيف نتغلَّب عليها وننعم ببعض الهدوء.
مؤلف كتاب في مديح البطء (حراك عالمي تحدَّى عبادة السرعة)
كارل أونوريه: هو صحفي كندي من مواليد اسكتلندا 1967، تخرَّج في جامعة إدنبره، وهو حائز على شهادتين في التاريخ واللغة البريطانية، عمل مع أطفال الشوارع في البرازيل، وهذا ما ألهمه أن ينحو نحو الصحافة،كتب العديد من الكتب التي حقَّقت رواجًا عالميًّا، وأشهرها: “في مديح البطء”.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: مستشار إعلامي وكاتب ومترجم سوري مقيم في دبي، بدولة الإمارات، وهو من مواليد حمص 1961 حاز على البكالوريوس في الهندسة، ثم درس الأدب الإنجليزي عامين في جامعة حلب، وتفرَّغ منذ عام 1996 للعمل الصحفي والإعلامي حتى شغل منصب مدير تحرير الطبعة العربية في مجلة PC Magazine ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربز” العربية وغيرها.