جمع السنة النبوية
جمع السنة النبوية
بعد تدوين النصوص في الكتابات المتفرقة أو وعيها في صدور الرجال من مصادرها المباشرة، كان الواجب العقلي يحتِّم تجميع تلك النصوص المعظمة عن أصحابها في مصادر مرتبة ومنظمة إما في شكل جزئي يختص بباب محدد من أبواب الدين أو صحابي بعينه، وإما بشكل موسوعي يشمل عددًا من الصحابة أو جملة من أبواب الدين.
يظن الكثيرون أن هذه المرحلة جاءت متأخرة بقرون عن زمان التلقي، ويروِّج لذلك المتشككون والجهال بتاريخ تدوين السنة لأن الجمع بدأ مبكرًا جدًّا في عهد الصحابة والتابعين، وكان أول تدوين في زمن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) عام اثني عشر من الهجرة حيث جمع مئات الأحاديث من أصول السنة في صحائف ثم أتلفها خشية أن يُردَّ غيرها من الأحاديث، وعزم عمر بن الخطاب على جمع الحديث ثم بدا له ترك ذلك، ثم في زمن التابعي عبد العزيز بن مروان كان أول جمع محفوظ، حين أمر كثير بن مُرة الحضرمي بكتابة الأحاديث التي سمعها عن الصحابة، وكان قد سمع عن سبعين منهم، غير أبي هريرة لأنها عنده.
وفي عهد ابنه الخليفة عمر بن عبد العزيز جُمعت السنة بإشراف الإمامين ابن شهاب الزُّهري، وابن حزم في دفاتر خاصة، ووزِّعت على الأمصار الإسلامية كلها، وكان ذلك في أواخر القرن الأول الهجري، ثم قَوِي التصنيف الموسوعي للسنة منذ منتصف القرن الثاني الهجري، والذي كان تتويجًا وثمرة للجهود الضخمة التي بذلها آلاف المشتغلين بحفظ ورواية الحديث، وكان القرنان الثالث والرابع هما عصر التصنيف المسند للأحاديث.
الفكرة من كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
السنة النبوية هي جملة الأخبار المروية عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) ونُقِلت إلينا مباشرة أو بواسطة، وكان الغمز فيها والتشكيك في موثوقية مصادرها محصورًا في أبحاث المستشرقين وذيولهم ممن تأثروا بكتبهم، ولكن صارت موجة التشكيك في السنوات الأخيرة ذائعة وتلقى آذانًا صاغية نتيجة الابتعاد عن منابع الشريعة الأصلية ومظاهر التفلُّت من أحكامها بضغط الثقافة السائدة مع تفشي الجهل بالأسس والمنهجيات التي دُوِّنت بها السنة ونقلت.
وفي هذا الكتاب يوضح المؤلف الأدلة العقلية على ثبوت الأحاديث النبوية وصحة نسبتها إليه منذ خرجت من فمه الشريف (صلى الله عليه وسلم) مروروًا بعمليات التدوين والنقل والرواية والجمع حتى وصلت إلينا في دواوينها المعروفة، بما ينفي الريب عن المُشكِّك ويزيد إيمان المتيقِّن.
مؤلف كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
وُلد الشيخ محمد بن خليفة الرباح في العاصمة الليبية طرابلس عام ١٩٧٤، وبدأ دراسته في مدرسة “النور القرآنية” حتى ختم القرآن الكريم، وكان له اهتمام بمؤلفات الشيخ الألباني، ثم هاجر عام ١٩٩٠ إلى سوريا والأردن والسعودية، فدرس على يد عدد من العلماء، من أمثال: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكتاب “إرشاد طلاب الحقائق” للنووي، وأخذ شرح كتاب “الباعث الحثيث” على يد الشيخ محمد عيد الدمشقي، كما لازم مجالس الشيخ ابن باز خلال مواسم الحج، وأخذ العلم الشرعي على كثير غير هؤلاء، وله مؤلفات ومحاضرات في العقيدة والفقه والسير وتحقيق الأخبار، ومنها: “التفويض في الصفات الإلهية بين أقوال السلف ودعاوى الخلف”، و”موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تارك الصلاة”.