بين الجمود الفكري وممارسة التفكير
بين الجمود الفكري وممارسة التفكير
الوعي يكره الفراغ، ويميل الإنسان إلى ملء هذا الفراغ بتكوين انطباعات ذهنية حتى إن لم يستكمل الحد الأدنى من المعطيات، كما أنه يألف ما اعتاد الاحتكاك به، وهذا الإلف إنما يتجسد في حالة من اللا مبالاة، وكذلك تجنب طرح الأسئلة، ولكن التشريع السماوي حث على التفكر وتجاوز الرؤى السطحية للوقوف على حقائق الأشياء، يقول الله عز وجل ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾.
وقد كان الحسن البصري يعتقد أن تفكر ساعة خير من عبادة ليلة، لأن كل لحظة تفكر هي فرصة جديدة لمراجعة المواقف التي نتخذها والوقوف على صحتها أو عدمها، ولأن التفكر مدعاة لعدم طمس الوعي الخاص في الوعي العام، ولكي يتحرر العقل فإنه لا بد أن ينظر إلى القضايا في إطار الزمان والمكان، فيجب علينا أن ننظر بدقة في نشأة المشكلات من البداية وتطورها، وذلك أدعى لإيجاد الحلول المناسبة.
وفي هذا الإطار تجد الكثير من الناس يبخسون تاريخ العلوم حقه، رغم أهميته البالغة التي نغفل عنها، فلا تجد لدينا جامعة واحدة متخصصة في هذا الأمر، مع أننا لا نستطيع أن نفهم أي علم إلا إذا استوعبنا بداياته وأطوار تشكله، والعقول ستظل مرتبكة طالما أنها مقصرة في قراءة الواقع، وقرارت المستقبل الناجحة ما هي إلا ترشيد لقرارات الحاضر.
والوعي مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية، فعلى كل منا أن يوقظ وعيه ويعتاد النقد الموضوعي البناء، وعلينا أن نعمل أيضًا على التخلص من الجهل الفكري، وعلينا ألا نشكل صورة نهائية عن أمر غير نهائي، وألا نقع في مصيدة التعميم، والوعي الذاتي يتغلب على المشكلات بالبحث في المخزون الذاتي من الخبرة، ثم المخزون الاجتماعي، وأخيرًا يلجأ إلى إبداع حلول وفقًا للإمكانيات الذاتية، وحينما يحقق أحدنا هذا فإنما هو بذلك يتفوق على نفسه.
الفكرة من كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
يُعد هذا الكتاب وصايا للمنشغلين بالإصلاح المجتمعي، فلا شك أن مجتمعنا الإسلامي اليوم يفتقر إلى مشاريع إصلاحية حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن الأمور الخارقة، فحركة التاريخ ما هي إلا آلاف من الجهود الضئيلة التي لا تكاد تُرى وحدها، وعليه يهدف هذا الكتاب إلى الخروج بالإنسان من حالة مراقبة الواقع والتنظير عليه إلى حالة التنفيذ والتغيير فيه. والتفكير حيلة الإنسان وهو سلاح ذو حدين؛ قد نفك به القيود ونخرق الشروط، أو قد يعجزنا ويُمكّن الغير من الاستبداد بنا، وذلك بحسب تعاملنا مع الأفكار، إن كان تعاملًا أحاديًّا فردوسيًّا أو واقعيًّا مرنًا، فالأزمات التي نحياها ليست نتيجة أفعال الآخرين أو الأقدار المكتوبة لنا فحسب، وإنما تدخل في ذلك أفكارنا وعقلياتنا ومرجعياتنا، ويهدف الكاتب إلى تحويل الأفكار الإصلاحية من كلام منمق إلى مشاريع تنموية مثمرة على أرض الواقع.
فإن كنا مهتمين بالتربية المبكرة وأثرها في الطفل، فلا بد من إنشاء روضة أطفال نموذجية، وقد ذكر الكاتب راشد الغنوشي أن جوهر المشروع الإسلامي ليس إسلاميًّا ليستهدف الدولة، وإنما اجتماعي إصلاحي للناس كافة، وهذا معيار نجاحه أو فشله، ورغم هذا الوضع غير المبشر، ورغم ضعف الدولة وهشاشة تنفيذ الشريعة فيها، فإن الإسلام اليوم في ازدهار، بينما العلمنة تتجه بخطى سريعة نحو الذبول والاندثار، فالأمة الإسلامية وإن كانت منهارة سياسيًّا، فإنها قوية حضاريًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
أ.د. عبدالكريم بكار: أحد أبرز الكتاب في مجال التربية الإسلامية والفكر الإسلامي، حاصل على الدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، مهتم بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة الفكرية والعمل الدعوي الإصلاحي، وقد تُرجمت كثير من أعماله إلى العديد من اللغات، كما أن له مكتبة صوتية ضخمة تزخر بالعديد من المقاطع الصوتية التي سجلها.
للمؤلف نحو أربعين كتابًا، منها “فصول في التفكير الموضوعي”، و”مدخل إلى التنمية المتكاملة” و”العيش في الزمان الصعب” وغيرها من المؤلفات.