الحركات الإصلاحية وما يطلبه المستمعون
الحركات الإصلاحية وما يطلبه المستمعون
القُراء المخضرمون الذين يستوعبون الأفكار الكبيرة والألفاظ العميقة لم تولد موهبتهم من عدم، وإنما كانوا مُهيئين في الأساس للتفاعل مع هذا الطرح العميق، وعلى الصعيد الآخر فإن معظم الناس أبعد ما يكون عن الأفكار الحقيقية المؤثرة في تشكيل العقول، فهل ما نكتبه إذًا يعود على معظم البشر بلا جدوى؟ الحقيقة أن الفئة التي تتأثر بالأفكار الكبيرة موجودة بالفعل ولكنها ليست شائعة.
وربما يرجع هذا إلى أن صناع الثقافة ربما يفوتهم إبداع وسائل جديدة لإسقاط الأفكار المهمة على أرض الواقع، وأي فكرة بلا اهتمام ورعاية فإنها تذبل وتفنى مع الوقت، وعليه فقد تحتاج بعض الأفكار إلى مؤسسات تنهض بها لتمثلها في شكل حركات اجتماعية فعالة، فإن كنا ندّعي فكرًا دعويًّا إصلاحيًّا، فعلينا إذًا أن ننشئ قناة فضائية دعوية.
ولا تقتصر الحاجة إلى مؤسسات راعية على تنفيذ الأفكار فحسب، وإنما لتطويرها أيضًا وتمحيصها وإصلاح أي خلل يعتريها، والقارئ للمجتمع يجد أن منتجي الأفكار عددهم قليل قياسًا بالقادرين على تنفيذها، فتجد أن المفكر منوط بخلق الأفكار التي ربما يفتقر بعضها إلى الواقعية، أو أن خطابه نظري تجريدي لا يبث الحماسة في نفوس أتباعه، وعلى الصعيد الآخر تجد الداعية الشاب يميل إلى الطرح الفكري البسيط، وبين الخطيب اللامع والمفكر الفيلسوف يأتي المصلح المؤثر.
ولعل بعض قواد الحركات الإصلاحية يقعون في فخ مركزية الإنسان، لكن المصلح لا يُقدم ما يطلبه المستمعون على حساب اتجاهه الإصلاحي ووجهته التي يتبناها، وإنما يتمتع بريادة فكرية تجعله ليس مفكرًا محضًا ولا واعظًا خالصًا، وإنما هو حلقة الوصل بينهما، ولكن الأمة لا تستغنى عن أحد هؤلاء في مقابل الآخر، وإنما يجب عليهم أن يتوحدوا تحت مصلحة الأمة و يتخلصوا من سلوك الانحياز لفكرهم وما يحبه أتباعهم.
الفكرة من كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
يُعد هذا الكتاب وصايا للمنشغلين بالإصلاح المجتمعي، فلا شك أن مجتمعنا الإسلامي اليوم يفتقر إلى مشاريع إصلاحية حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن الأمور الخارقة، فحركة التاريخ ما هي إلا آلاف من الجهود الضئيلة التي لا تكاد تُرى وحدها، وعليه يهدف هذا الكتاب إلى الخروج بالإنسان من حالة مراقبة الواقع والتنظير عليه إلى حالة التنفيذ والتغيير فيه. والتفكير حيلة الإنسان وهو سلاح ذو حدين؛ قد نفك به القيود ونخرق الشروط، أو قد يعجزنا ويُمكّن الغير من الاستبداد بنا، وذلك بحسب تعاملنا مع الأفكار، إن كان تعاملًا أحاديًّا فردوسيًّا أو واقعيًّا مرنًا، فالأزمات التي نحياها ليست نتيجة أفعال الآخرين أو الأقدار المكتوبة لنا فحسب، وإنما تدخل في ذلك أفكارنا وعقلياتنا ومرجعياتنا، ويهدف الكاتب إلى تحويل الأفكار الإصلاحية من كلام منمق إلى مشاريع تنموية مثمرة على أرض الواقع.
فإن كنا مهتمين بالتربية المبكرة وأثرها في الطفل، فلا بد من إنشاء روضة أطفال نموذجية، وقد ذكر الكاتب راشد الغنوشي أن جوهر المشروع الإسلامي ليس إسلاميًّا ليستهدف الدولة، وإنما اجتماعي إصلاحي للناس كافة، وهذا معيار نجاحه أو فشله، ورغم هذا الوضع غير المبشر، ورغم ضعف الدولة وهشاشة تنفيذ الشريعة فيها، فإن الإسلام اليوم في ازدهار، بينما العلمنة تتجه بخطى سريعة نحو الذبول والاندثار، فالأمة الإسلامية وإن كانت منهارة سياسيًّا، فإنها قوية حضاريًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
أ.د. عبدالكريم بكار: أحد أبرز الكتاب في مجال التربية الإسلامية والفكر الإسلامي، حاصل على الدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، مهتم بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة الفكرية والعمل الدعوي الإصلاحي، وقد تُرجمت كثير من أعماله إلى العديد من اللغات، كما أن له مكتبة صوتية ضخمة تزخر بالعديد من المقاطع الصوتية التي سجلها.
للمؤلف نحو أربعين كتابًا، منها “فصول في التفكير الموضوعي”، و”مدخل إلى التنمية المتكاملة” و”العيش في الزمان الصعب” وغيرها من المؤلفات.