في حياتنا الاجتماعية
في حياتنا الاجتماعية
ما يقوم عليه بناء الدولة هو المجتمع ومدى قوته وترابطه، والفرد وحدة بناء هذا المجتمع، فتكون العناية للأفراد أولًا ثم بالمجتمع كله، والمنشغلون بتقويم المجتمعات يعلمون أن الأخلاق هي المقياس، وأن المجتمع بحاجة إلى وعي جمعي وحس أخلاقي بالصواب والخطأ، هذا الحس العام الذي يدفعهم للقيام بما أمر الله به من أمر بمعروف ونهي عن منكر.
وذلك الوعي الجمعي الغيور على دين الله وعلى المسلمين يحفظ القيم ويحرسها، فالمقدم على جريمة ينبغي أن يضع في حسبانه المجتمع ويستحي من إخوانه، وإن لنا في نموذج الصحابة الثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك عبرةً ودرسًا، حين قاطعهم النبي وأصحابه خمسين يومًا، ولم تكن قطيعة كراهية لهم، بل كان الصحابة والنبي أشد فرحًا من الثلاثة لما نزل عفو الله عنهم، ولكن حرصك على أخيك المؤمن يجعلك لا تعينه على الإثم بقبوله، لذا يكون الوعظ الحسن والتنبيه الرقيق والتذكير مرة بعد مرة، فإذا أصر وكابر كانت القطيعة، وذلك من تغيير المنكر بالقلب الذي هو أضعف الإيمان رغم كل شيء.
والناس بين آكل حق غيره، وبين منصف عادل، وبين من يعفو ويصفح ويترك حقه عن قدرة لا عن ضعف، ونظرة الإسلام في ذلك ضد الصنف الأول بلا ريب ومع الصنف الثالث مدحًا وتشجيعًا، وأما مع الصنف الثاني تبيح وتعطي الرخصة دون مدح ولا ذم، فكان منهج الإسلام هو العفو والإحسان ويقدم ذلك على العدل والحزم، وذلك في المعاملات والحقوق الشخصية لا حقوق الغير، ويكون مبدأ العدل واجبًا في مجال الحكم بين الناس والقضاء وفي أي موقع فيه رعاية لشؤون الغير، كما لا يكون العفو والصفح في حد من حدود الله، وليس ذلك انتقامًا ولا تشفيًا، بل يحزن المسلم على سقطة أخيه المسلم ويأسف عليه، ولكن يقيم الحد حفظًا لحق الله وردعًا وتطهيرًا وتهذيبًا.
الفكرة من كتاب نظرات في الإسلام
من بين كل الحركات الدينية، والحركات الإصلاحية، كانت رسالة الإسلام هي الأكثر استقرارًا وتمكنًا من النفوس، والأكبر والأبعد أثرًا في المجتمعات، ودعوة الإسلام لما قامت فكأنها أنشأت الإنسان خلقًا آخر، وحوَّلته من حمية الجاهلية إلى حمية في الحق، واتحدت شخصية الداعي محمد (ﷺ)، ومنهاج الدعوة وطبيعتها، وطبيعة الأمة التي بُعث فيها النبي، اتحد كل ذلك بتدبير الله ورعايته ليتم الله لنا الدين، ويتم لنا رسالته، رسالة الفطرة والحق والإنسانية.
مؤلف كتاب نظرات في الإسلام
الدكتور محمد عبد الله دراز: إمام ومفكر مصري، ولد في محافظة كفر الشيخ عام 1894م، وهو من أسرة علمية عريقة، درس بالأزهر وحصل على الشهادة العالمية عام 1916، ابتُعِث إلى فرنسا في منحة علمية بجامعة السوربون، وحصل منها على درجة الدكتوراه في فلسفة الأديان، اشتغل بالتدريس في عدد من الجامعات المصرية، وكان عضوًا في جماعة كبار العلماء، كما كان عضوًا في اللجنة العليا لسياسة التعليم، وفي اللجنة الاستشارية الثقافية في الأزهر، وتُوفِّي عام 1958م.
ومن مؤلفاته:
النبأ العظيم، نظرات جديدة في القرآن.
الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان.
زاد المسلم للدين والحياة.